27 ابريل .. يوم التحول الديمقراطي الكبير
الاثنين, 27-أبريل-2009
السياسية - يصادف اليوم الذكرى السادسة عشرة لإجراء أول انتخابات نيابية تنافسية على أساس حزبي تعددي في تاريخ البلاد في السابع والعشرين من أبريل 1993، لتتجذّر بذلك التجربة الديمقراطية، التي اقترن ميلادها بإعادة تحقيق وحدة الوطن.


ولهذا اليوم في الذاكرة السياسية اليمنية دلالات كبيرة، إذ شكل انتصارا لنضالات الشعب اليمني من أجل الديمقراطية والعدالة، التي وصفها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، في غير مرة، بأنها "سفينة النجاة للأنظمة السياسية" و"خيار لا رجعة عنه" في مبادئ أسست لمرحلة جديدة أكثر تطورا وانتقلت فيها البلد إلى مصاف الدول المتحضرة في تجربتها السياسية.


وفي هذا اليوم أيضا صنع اليمنيون تاريخا سياسيا جديدا بتجربة مبكرة عكست حالة الانسجام والتوافق بين أطراف المعادلة السياسية من اليمين إلى اليسار، في فترات عصيبة كانت فيها الكثير من المناطق في العالم تعيش أجواء صراع وتناحر سياسي، فيما كانت اليمن تصنع أول تجربة تنافس سلمي ديمقراطي أنتجت خارطة سياسية وانتخابية معتمدة على التنافس الديمقراطي السلمي والشريف في صورة أكدت مقدرة اليمنيين على صناعة المعجزات في نقل المعترك السياسي إلى ميدان التنافس الديمقراطي الشريف والمسؤولية الوطنية بعيدا عن كل قواميس الصراعات والاحتقانات السياسية.


وخلّد انتظام الانتخابات النيابية بدورات متعددة في يوم الـ27 من إبريل، هذا اليوم في ذاكرة الإنسان اليمني كيوم للديمقراطية في اليمن، ويحرص أبناء شعبنا على الاحتفاء بهذا اليوم الديمقراطي سنويا ليجددوا تمسكهم بالديمقراطية كمرتكز للنهوض، ورهان للتقدم المنشود في الحاضر والمستقبل، وليؤكدوا أن هذا النهج ما زال، وسيظل، خيارهم الوطني الأمثل والوحيد للوصول إلى السلطة، وعبر إرادة الناخبين التي تعكسها صناديق الاقتراع؛ باعتبار هذا الخيار إحدى سمات عصرنا الراهن الذي لفظ عهود الانقلابات، وبات من المستحيل فيه الوصول إلى السلطة عبر التآمرات وجنازير الدبابات.


وبين الاستحقاق الانتخابي الأول والمحطات الانتخابية اللاحقة تتجلى ملامح التحول الكبير الذي شهده الوطن اليمني، في ظل القيادة الحكيمة لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، سواء على صعيد الممارسة الديمقراطية، التي باتت تجربة متفردة ورائدة على مستوى المنطقة أم على مستوى التنمية الشاملة التي أصبحت سمة بارزة في كل أنحاء الوطن.


* محطات ديمقراطية


* الاستفتاء على الدستور.. أول إنجاز:


حصل الدستور، الذي يعتبر أول إنجاز للديمقراطية اليمنية، بعد إعلان قيام الجمهورية اليمنية، والذي أنزل للاستفتاء يومي 15و16 مايو 1991، على تأييد 98.3 بالمائة، من إجمالي الذين أدلوا بآرائهم في الاستفتاء، البالغين 788ر364ر1 مستفتياً، وهو ما يمثل 72.2 بالمائة، من المسجلين آنذاك في جداول الاستفتاء، البالغ عددهم 646ر890ر1 ناخباً وناخبة.


* 27 أبريل 93م:
شهد اليمن في هذا اليوم أول انتخابات تشريعية تنافسية على أساس حزبي في تاريخ البلاد، شارك فيها كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية، وتنافس للفوز بعضوية مقاعد مجلس النواب البالغة 301 مقعدا، 3166 مرشحاً، جاءت نتائج تلك الانتخابات لتضمن تمثيل متفاوت لثمانية أحزاب سياسية، أفضى إلى تشكيل حكومة ائتلاف ثلاثي ضمت المؤتمر الشعبي العام الذي حصل على أغلبية المقاعد في مجلس النواب بنسبة 41 بالمائة بواقع 122 مقعداً، والتجمع اليمني للإصلاح الذي حصل على نسبة 21 بالمائة بواقع 63 مقعداً، والحزب الاشتراكي اليمني الذي حصل على 19 بالمائة بواقع 56 مقعداً، فيما حصل المستقلون على نسبة 16 بالمائة بواقع 48 مقعداً، واستحوذت خمسة أحزاب أخرى على الـ3 بالمائة الباقية من عدد المقاعد وهي: "الحزب الوحدوي الناصري، وحزب البعث، وحزب الحق، وحزب التصحيح الناصري، والحزب الناصري الديمقراطي".


* نيابية 1997:
وشكّل إجراء الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية في موعدها القانوني المحدد في السابع والعشرين من أبريل 1997م، حدثا بارزا. تنافس في تلك الانتخابات 11 حزبا وتنظيما سياسيا في مقدمتها المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، فيما أعلنت أربعة أحزاب في مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني مقاطعتها لهذه الانتخابات، وحصد المؤتمر الشعبي العام في هذه الانتخابات 187 مقعداً في المجلس النيابي، بنسبة 62 بالمائة، والتجمع اليمني للإصلاح 53 مقعداً بنسبة 18 بالمائة، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري 3 مقاعد بنسبة 1 بالمائة، وحزب البعث القومي مقعدين، وحصل المستقلون على بقية مقاعد مجلس النواب، وفي ضوء هذه النتيجة شكل المؤتمر الشعبي العام، الحكومة بمفرده لحصوله على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان.


* رئاسية 1999:
ولأول مرة في تاريخ النظام السياسي في اليمن توجه الناخبون في الثالث والعشرين من سبتمبر 1999م إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس للجمهورية في انتخابات تنافسية حرة ومباشرة بعد أن تقدّم لخوض التنافس على منصب الرئاسة في هذه الانتخابات 24 مواطناً، يمثلون الأحزاب والتنظيمات السياسية والمستقلين، ولم يحظ بتزكية مجلس النواب لخوض الانتخابات الرئاسية التنافسية سوى مرشحين فقط، هما: الأخ علي عبد الله صالح، مرشحا عن المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح والمجلس الوطني للمعارضة، والأخ نجيب قحطان الشعبي مرشحا مستقلا، وحصل فيها الأخ علي عبد الله صالح على 795ر583ر3 صوتاً، بنسبة 96.20 بالمائة، ليفوز بمنصب رئيس الجمهورية, بينما حصل المرشح الآخر نجيب قحطان الشعبي على 141.433 صوتاً بنسبة 3.80 بالمائة، من إجمالي عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في تلك الانتخابات.


* محلية 2001:
مع مطلع عام 2001م شهدت اليمن حدثا ديمقراطيا وإنجازا وطنيا مهما تمثل بإجراء أول انتخابات للمجالس المحلية في العشرين من فبراير2001م، حيث توجه الناخبون في هذا اليوم إلى 2351 مركزاً انتخابياً في عموم مديريات الجمهورية لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية للمحافظات والمديريات من بين 23947 مرشحاً ومرشحة يتنافسون على 7104 مقعداً هي قوام المجالس المحلية في المحافظات والمديريات، وفاز المؤتمر الشعبي العام بأغلبية المقاعد في تلك الانتخابات، يليه التجمع اليمنى للإصلاح ثم المستقلون فالحزب الاشتراكي اليمني وبقية أحزاب المعارضة.
كما شارك الناخبون في الوقت نفسه في الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي تزامن إجراؤه مع انتخابات المجالس المحلية، وصوت بالموافقة على التعديلات الدستورية 2.018.527 ناخبا وناخبة أي بنسبة 72.91 بالمائة من الذين أدلوا بأصواتهم في عملية الاستفتاء.


* نيابية 2003:


خاض الانتخابات 21 حزبا وتنظيما سياسيا، بما في ذلك الأحزاب والتنظيمات السياسية التي قاطعت الانتخابات التشريعية التي جرت في ابريل 1997، تنافس فيها 1396 مرشحا بينهم إحدى عشر مرشحة، وأسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز المؤتمر الشعبي العام وحصوله على 229 مقعدا بنسبة 76.08 بالمائة من إجمالي مقاعد مجلس النواب، والتجمع اليمني للإصلاح على 45 مقعدا بنسبة 14.95 بالمائة، والحزب الاشتراكي اليمني على 7 مقاعد بنسبة 2.33 بالمائة، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصر على ثلاثة مقاعد بنسبة 1 بالمائة فقط، وحصل المستقلون على 14 مقعدا بنسبة 4.65 بالمائة.


* انتخابات 2006:
ووصلت التجربة الديمقراطية والانتخابية في اليمن أعلى حالات نضوجها، حتى الآن، في الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت بالتزامن في 20 سبتمبر 2006م. وسجلت رقماً قياسياً في عدد الناخبين الذي فاق الستة ملايين ناخب من مجموع 9.2 مليون ناخب مسجل تقريباً. وخاض الانتخابات الرئاسية خمسة مرشحين في منافسة مفتوحة وفي ظل أجواء آمنة رغم حدة المنافسة الانتخابية. وحقق مرشح المؤتمر الشعبي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الفوز فيها بنسبة 77.17 بالمائة.
++++++++++++++++++++++++++


27 أبريل 2009م من الانتخاب إلى تهيئة الانتخاب
الديمقراطية بديلاً عن وجبات الصراع
(إدارة التحليلات والتقارير السياسية – سبأ):


يخطو اليمنيون منذ وقت مبكر صوب ترسيخ التجربة الديمقراطية باعتبارها صوناً أساسياً لقرينتها الوحدة الوطنية.
ومن أجل ذلك جرت العملية الديمقراطية في أشكال انتخابية مختلفة، خلال عقد ونصف، في مواعيدها المحددة، دون أن تكترث للمشككين في التجربة، فأجريت الدورات الانتخابية التالية:
-استفتاءان على مشروع الدستور وتعديلاته مايو 1991، فبراير 2001
-نيابيات ثلاث أبريل 1993، أبريل 1997، أبريل 2003
-رئاسيتان سبتمبر 1999، سبتمبر 2006
-محليتان قاعديتان فبراير 2001، سبتمبر 2006
-محلي على مستوى المحافظين عبر هيئة ناخبة، مايو 2008،
وسنت القوانين والتشريعات المنظمة للتجربة.
وهذه الأشواط المقطوعة غير الهيّنة في تجربة الديمقراطية اليمنية الناشئة تهيئ اليمن بلوغ مرحلة الديمقراطية الناضجة إذا زاد منسوب الوعي الديمقراطي الشعبي واقترن بالممارسة المسؤولة.


ونظراً لما عرفت به القيادة اليمنية من مسؤولية واعية في ممارستها الديمقراطية تقرر أخيراً تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة، 27 أبريل 2009م، بناءً على اتفاق القوى السياسية من أجل إجراء بعض التعديلات الدستورية وتطوير النظام الانتخابي. ويأتي هذا التأجيل تحقيقاً للمصلحة الوطنية العليا، وتوفيراً لمناخ المشاركة السياسية الواسعة، التي تجنّب البلاد إهدار أبنائها في "دورات ووجبات صراع"!


وتوفير هذا المناخ الملائم لإنجاح التجربة الديمقراطية أمر لن يتم "بين غمضة عين وانتباهتها" كما يقال، بل يتعين له البدء بالحوار السياسي الهادئ بين الأطراف السياسية المعنية بإنجاح التجربة بعيداً عن المناكفات والمكايدات، والاتجاه نحو جعل 27 أبريل 2009م منطلق حوار ديمقراطي يستهدف الإصلاح المرجو، واستمرار تمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه.


وبالعودة إلى ما أنتجته الدورات الانتخابية السابقة، خاصة البرلمانية النيابية، يجد المتأمل في التجربة اليمنية برلماناً يمنياً خالصاً يعكس الطابع اليمني الأصيل والمتنوع جغرافياً واجتماعياً وسياسياً، ويتبين حجم تأثير هذه القوى الاجتماعية والسياسية عقب إجراء انتخابات ديمقراطية يكثر الحديث حول مدى نزاهتها وحريتها. وهذا ما سيسجله مؤرخو الديمقراطيات بالنسبة لخصوصية التجربة اليمنية وتميزها بكل إيجابياتها وسلبياتها، ولهذا يعوّل من تأمل أطراف العمل السياسي في تجربة الديمقراطية اليمنية وإفراز المجتمع فيها، الاستفادة من مهلة التأجيل لعامين قادمين في إحداث الإصلاحات المطلوبة للنّظام الانتخابي وتطوير الواقع السياسي لإنتاج برلمان ذي تجربة كاملة الإيجابية أو قليلة السلبية.


ولن يتأتى بلوغ هذه المرحلة ما لم يعِ الوطنيون اليمنيون في مختلف المناطق مسؤوليتهم تجاه قرين التجربة الديمقراطية، أي الوحدة الوطنية، ثمرة نضال طويل لشعب لا -ولن- يحيا بغير التوحد.


ومهما اعترت التجربة من اختلالات أو واجهتها من عقبات فلا تستدعي هذه الحالات الطارئة التشكيك في ثابت مقدس الأولى عدم المساس به أو التعرض له باسطوانات عفا عليها الزمن.


إن المشكلة في عموم البلاد لا تخرج عن إطارها الاقتصادي كما شخّصتها الحكومة في أكثر من مناسبة، فالحالة الاقتصادية اليمنية بخصوصيتها لا تنعزل عن الحالة الاقتصادية العالمية بعموميتها، فبارتفاع أسعار النفط أمكن التقاط الأنفاس والتهيؤ لتحسين الوضع الاقتصادي اليمني، إلى أن ألمت بالعالم كله الأزمة العالمية الأخيرة وحدّت من منسوب الأمل، وبتأثيره وبتأثير غيره من العوامل الداخلية علا النباح والنعيق، وامتدت أذرع "الإخطبوط" تحاول أن تطال السلم الاجتماعي.


إن استمرار السلم الاجتماعي الذي تهدده قلة فزعة من استمراره طوال 15 عاماً رهن بوعي كل الأجيال اليمنية، التي حمت الوحدة والثورة، والتي تعيش في ظلها أيضاً، ورهن بوعيها لمخاطر تهديده، ورهن باستعدادهم الذاتي لمنع تجدد دورات الصراع، وحلول الأبرياء وجبة أساسية لها. والحفاظ على المكانة التي تبوأها اليمن الموحد في نظر العالم كله.


وكما كان للقيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبد الله صالح شركاء في صنع الوحدة المباركة، وقرينتها الديمقراطية، ممثلين بالحزب الاشتراكي اليمني الذي وضع يده بيد المؤتمر الشعبي العام للبدء في إرساء الوحدة والديمقراطية، كان له شركاؤه في حماية الوحدة وتثبيتها ممثلين عدد من أبناء الوطن اليمني الحريصين على الوحدة؛ باعتبارها عزتهم وفخرهم وكرامتهم. والرائد في كل ذلك وعيهم لتطلع الشعب وإرادته في الحفاظ على حقه في مستقبل أفضل ويمن جديد موحد. وينبغي أن يشاركه اليوم كل أبناء اليمن من مختلف الأطياف في استعادة ألق الوحدة المباركة وصون قرينتها الديمقراطية وقص أذرع "الإخطبوط" بوعي مسؤول لمسؤوليتنا تجاه المستقبل وأجياله بدلاً من التوجه إلى العنف الذي يخدش -بل وينسف- التجربة من أساسها. فالديمقراطية والحوار سلاح الدفاع الأمضى عن الوحدة، والصوت الانتخابي في مناخه الملائم هو البديل الأنسب لدورات ووجبات الصراع. 

إعداد: علي التوهمي