القانون .. مصدر حماية الديمقراطية
السبت, 05-يوليو-2008
محمد حسين العيدروس
محمد حسين العيدروس - كثيرة هي الأنظمة التي تهاب الديمقراطية , وهذه الرهبة من الديمقراطية لا تأتي فقط من كونها تنتزع القرار السياسي من أيدي الحاكم وتجعله موضع شراكة وطنية مع بقية القوى السياسية , بل أيضاً من ضعف ثقة الحاكم بإمكانية حيازة الثقة الجماهيرية تحت مظلة التعددية الحزبية ووجود منافسين آخرين.. وأحياناً ينبع الخوف من إمكانية انفلات عقد الحريات , والتكوينات المدنية ,والانزلاق نحو الفوضى الخلاقة.

في تجربتنا اليمنية ,قامت الديمقراطية على مرحلتين : الأولى التعددية السياسية تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام, الذي احتضن جميع التنظيمات والقوى الوطنية , والثانية التعددية الحزبية التي كانت توأم إعلان الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية ..ومنذ البداية تبلورت الرؤيا تحت شعار : ( لا حرية بلا ديمقراطية , ولا ديمقراطية بلا حماية , ولا حماية بدون سيادة القانون) , وهو ما جعل مشروعنا الوطني لتنمية الديمقراطية مقروناً بقدراتنا عل بناء دولة المؤسسات والنظام والقانون ,لأنها هي الحماية الحقيقية ليس للديمقراطية وحسب بل وحتى للوحدة اليمنية .
وهن هنا نجد أن الجماعات الشاذة التي ظهرت قبل بضعة أشهر , وأضمرت في نفوسها نوايا شريرة لتفتيت الوحدة , عمدت منذ البداية إلى انتهاك القوانين , وإنشاء تكوينات غير مشروعة والزج بها في ممارسات غير مرخصة , وإشاعة الفوضى وتخريب المؤسسات العامة والخاصة ,والتحريض على رجال الأمن- لأنها تعلم أن حصانة الوحدة والديمقراطية مستمدة من القانون والنظام , ومن تلك المؤسسات , ومن قوة الأمن والاستقرار ,وإذا ما نجحت في تنفيذ ما ذكرناه فإن الوحدة والديمقراطية والدولة أيضاً ستنهار في الحال .

ومع أن الغالبية العظمى يعلم أهمية القانون في حماية مكتسبات الثورة , والوحدة اليمنية إلاّ أن الواقع يقول أن هناك الكثير من الجهات والأشخاص الذي ن دأبوا على الحديث عن القانون في الوقت الذي هم أول من ينتهكه , أو يتجاهله ..وأول من ينحيه جانباً عندما تتعارض نصوصه مع مصالحه الشخصية , وهو الأمر الذي ظل يتسبب بكثير من الإشكاليات خاصة عندما يرتبط ببعض الجهات الرسمية , رغم أننا ما زلنا نتذكر قول فخامة الأخ رئيس الجمهورية بهذا الخصوص , حين طلب من جميع الجهات أنه في حالة إصداره أي توجيهات تتعارض مع نصوص القانون الدستور فإن عليهم عدم تنفيذها .

وأعتقد أن ما شهدته الأشهر الماضية من حراك سياسي , أفرز أموراً مهمة ينبغي الالتفات لها , منها أن هناك العديد من الجهات الرسمية تفتقر لروح المبادرة , والوعي بالقانون والصلاحيات المناطة بمراكزها الوظيفية ,لذلك تبقى متفرجة , أو تقف عاجزة عن فعل شيء إزاء أي تطور في محيطها , لأنها تنتظر أن يصدر لها الأخ رئيس الجمهورية توجيهاته , متجاهلة أن الأخ الرئيس هو الرائد في التحولات اللا مركزية وإن تصوير الأمور على النحو أمر مسيء للجميع..
لذلك نجد اليوم أن البعض كلما تعرقلت لهم معاملة توجهوا نحو الرئيس , وناشدوا بحلها لأنهم مؤمنون أن الوصول إلى مكتب رئيس الجمهورية هو أسهل بكثير من الوصول إلى مكاتب بعض الأخوة المسئولين , فهم عرفوا الرئيس كفرد من أفراد الشعب , متواضع , يتحسس معاناتهم , بينما هناك من يعزلون أنفسهم , ويتركون أصحاب القضايا في حيرة وإحباط حتى يقعوا ضحية أولئك المتربصين ببلدنا واستقرارنا سوءاً..
إننا اليوم بأمس الحاجة لترسيخ ثقافة قانونية متينة في مؤسستنا , وفي مختلف مجالات حياتنا, كي لا تتحول حياتنا ومجتمعاتنا إلى ضرب من الفوضى , والعبث فنحرم أجيالنا من فرص ذهبية من الحياة الكريمة .. فمن يتصفح كتب التاريخ لا بد أن يقرأ الكثير عن " رحلتي الشتاء والصيف " التي مر بذكرهما القرآن الكريم , وحين نتأمل أكثر نجد أن اليمن لم تكن تحرس تلك الطرق التجارية الطويلة بجيوش ,بل كانت أعراف وتقاليد المجتمع وقيمه الأخلاقية هي الضمان الوحيد لكل عابري السبيل أو القوافل التجارية ..

إلاّ أن انتقالنا إلى الحياة المهنية التي تتطلب قوانين ثابتة , وتعاملات عصرية أفرز بعض الظواهر السلبية كالتقطع والاختطافات نظراً لاختلال توازن القيم جراء تفريط البعض بالقوانين والأنظمة , حتى باتت بعض القوى السياسية تتخذ من تلك الممارسات سبيلاً للمساومة الرخيصة مع الدولة , والعبث باستقرارها ..وهو الأمر الذي يتطلب منا جميعاً إعادة النظر في فهمنا لأهمية القوانين في استقرار وأمن وطننا الحبيب .

إننا عندما نمر بهذه المحطات تتعزز ثقتنا بأن الديمقراطية والتنمية لا يمكن أن يسيرا بخطين متعاكسين , بل كل منهما مكمل للآخر ونتاجاً عنه في آن واحد .. كما أن كلاهما لا يمكن أن يستقيم بهما الحال بغير الحماية القانونية التي تؤمن لهما فرص الأمن والسلام والاستقرار .. وهذه الحماية هي مسئولية جماعية وغير مناطة بطرف واحد ,وغير متصلة بتوصيف رسمي أم غير رسمي, طالما وأن الحياة الديمقراطية تجعل من المجتمع المدني , ومن كل مواطن شركاء في صناعة مختلف القرارات السياسية والاقتصادية , والثقافية , والاجتماعية ,والأمنية وغيرها ..!
*عن الثورة