الكتابة بالخط المسند
السبت, 28-يونيو-2008
الخط المسند
رفيق ياسين - كان لاختراع الكتابة اثر كبير في حياة الشعوب فقد عرف العالم طرق مختلفة للكتابة اعتبرت نقطة البداية لمرحلة جديدة وانتقالها من المرحلة التصويرية إلى المقطعية ثم الأبجدية ،فالكتابة هي وسيلة هامة للتعبير عما ينطق به الإنسان 0
وقيل : أن الخطوط أنزلت على آدم في إحدى وعشرين صحيفة والكتابة المسمارية هي أقدم كتابة عرفها الإنسان في بلاد الرافدين والتي عثر عليها في مدينة أوروك والتي تعود إلى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد.
بدأ الإنسان الكتابة على الطين الرطب مستعملا أعواد القصب وكانت الكتابة في البدء لا تتعدى مجموعة من اللوائح بالحاجات الضرورية يتم التعبير عنها برموز مطابقة للواقع 0‏ لقد تطورت الكتابة عبر التاريخ وتناقلتها الشعوب عن بعضها فأخذ بعضهم على عاتقه تطويرها وتحسينها بما يخدم حياتهم اليومية وألفاظهم الخاصة بهم
. إن منشأ الخط كان في اليمن أولا ثم انتقل إلى الحجاز واصله من القلم المسند الذي هو قلم حمير المتفرع ،وقد بلغ هذا الخط درجة عالية من الإتقان والجودة زمن دولة التبابعة، لما وصلت إليه الحضارة والعلم آنذاك من رقي وتطور 0‏
ومن المحتمل أن يكون حمير بن سبأ هو أول من كتب بالخط العربي وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند وسمي هذا الخط بهذا الاسم لان حروفه ترسم على أشكال خطوط مستندة للأعمدة تشبيها لها بالقصور والمعابد و الأبراج. ‏
الخط المسند
اليمن الخضراء عرفت الكتابة منذ أقدم العصور وكانت أعرف الأمم بالخط المسند، فقد روي عن الحبر عبدالله بن العباس :" أن اليمنيين تلقوا الخط المبتدأ المتصل عن كاتب هود عليه السلام ، وفي " سيرة ابن هشام"، أن الخط جاء من حمير ، ونقل فؤاد حمزة في " قلب الجزيرة " ص 309، أن الباحث الهولندي المستر"فانزر مولن ": "زار ديار عاد بحضرموت وقرية المشهد وخرابة عينون ، ووجد هناك كتابات سبئية قديمة إلا أن دراستها وتمحيص ما فيها تستغرق من الجهد والوقت ما لم يمكنه هو أن يقوم به".
النقوش اليمنية القديمة هي كتابات عرب جنوب الجزيرة العربية ، أي عرب اليمن ، دونت قبل الإسلام بعربيتهم التي هي غير العربية المحضة، وكتبت تلك النقوش بخط المسند وهو خط يتألف من 29 حرفاً أبجديا ، أي بزيادة حرف على الأبجدية العربية ويشبه الخط الإثيوبي الحديث الذي تفرع في الأصل عن الخط المسند وتنتمي هذه اللغة اصطلاحا إلى عائلة اللغات السامية ) وهو مصطلح لم تثبت صحته لدى العلماء وتصنف ضمن لغات العرب في جنوب جزيرتهم ، وتربطهم بطبيعة الحال وشائج وثيقة باللغة العربية الفصحى وكذلك بلغات الحبشة التي تفرعت منها وتطورت بعد ذلك إلى أشكال منفردة بحكم ارتباطها بالأرض الأفريقية.
أما أسلوب النقوش فصارم ومتجانس ، قد يبلغ حد الجمود وهو مكتوب بصيغة الضمير الغائب ، حتى في حالة تحدث صاحب النقش عن نفسه ،ولهذا فان ضمائر المتكلم والمخاطب تكاد تكون غير معروفة إلى اليوم . ويمثل مبنى النقوش اليمنية القديمة الصرامة والدقة والمحاكاة ومحتواها يرسو بقوة في مجال الدين والقائد, وقد حاول بعض العلماء أن يربطوا بين لفظ مسند وشكل الكتابة . فهذا هو إسرائيل ولفنستون (257) يقرر أن " الحضارة جنوب بلاد العرب عقلية تنحو نحو الأعمدة في عمارة القصور والمعابد والأسوار والسدود وأبواب المدن ومن اجل ذلك يوجد عندهم ميل شديد لإيجاد حروف على هيئة أعمدة ، أي أن الحروف علها(؟)عبارة عن خطوط تستند إلى أعمدة وقد تنبه علماء المسند لان حروفها ترسم على هيئة خطوط مستندة إلى أعمدة".
وتتكون أبجدية المسند من (29) رمزاً للحروف تمثل أصوات الحروف العربية أبجدية بزيادة صوت واحد ينطق من مخرج قريب من السين بين السين والشين على ما يبدو ، ونعتقد أن آثاره باقية في المهرية حيث يتكرر في الفاظها صوت غريب يذكرنا في نفس الوقت بالصوت الذي يرمز إليه بحرفي LLفي لغة ويلز السلنية ومن الكلمات المهرية التي ينجد فيها هذا الحرف كلمة " شخوف " حيث تنطق الشين من مخرج بين السين الشين " وتشبه الثاء ؟"، وتعني كلمة " شخوف "اللبن "ويقابلها في بعض لهجات البادية في حضرموت كلمة "شخب" التي تعني" اللبن" أيضا، ونجد في المعاجم اللغوية : و" وشخب بمعنى لبن ويقال أنها حميرية".
ولا زال القلم الحميري معروفا إلى ما بعد ظهور افسلام بمدة غير قصيرة ، وقد عثر بعض الاثريين الانجليز في سنة 1903م الموافق 1321هـ ، شمال الترنسفال من بلاد ليبيا في أفريقيا على قبر عربي قديم وعليه كتابة ا\بالحروف الحميرية : إن اسم الميت سلام توفي سنة 95هـ سنة 717م، (اليمن الخضراء مهد الحضارة،للاكوع ص229).
ويلاحظ أن نقوش المسند التي وصلت إلينا تمثل مستوى عاليا من الدقة والجمال في تقدير إذا أخذنا في الاعتبار الختم الذي عثر عليه في بيتل بفلسطين ، علما بأن ما وصل إلينا من نقوش لا يمثل بالضرورة تاريخ بداية استخدام الخط ، أما أحدث ما وصل إلينا من تلك النقوش فيرجع الى أواخر القرن السادس بعد الميلاد.واللهجات الرئيسة التي كتبت بها نصوص المسند في اليمن هي السبئية والمعينية والقتبانية والحضرمية ، أي لهجات الممالك الرئيسة القديمة ..و يتحدث ابن خلدون في مقدمته عن " الخط الحميري وما بلغ من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة، وكيف انتقل إلى الحيرة ، لما كان بها من دول آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب بأرض العراق ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش " ويقول الدكتور جواد علي في كتابه" تاريخ العرب قبل الإسلام" ، المسند من الأقلام العتيقة ، وهو أعتق من القلم النبطي بل أقدم الأقلام التي وجدت في شبه الجزيرة العربية وهو أقدم حتى من الأبجدية الكنعانية التي يزعم فريق أن المعينيين تعلموا الخط المسند من الكنعانيين برابط التجارة معهم بدليل أن الكنعانية ينقصها حروف (و،ض، ظ، س ، ث، غ)، ويرى كثير من الباحثين أن الأقلام التي عثر عليها في الجزيرة العربية كلها متفرعة من الخط المسند..
أما المستشرق الألماني "فولر" فيرى أن أصل اتخاذ الكتابة بالحرف بعد الكتابة الهيروغليفية كان اليمن إذ أعتقد أن اليمنيين هم الذين اخترعوا الكتابة ، وليس الفينيقيون كما هو الرأي المشهور،وقال أن الفينيقيين إنما بنو كتابتهم على العربية اليمنية ، ثم إن اليونانيين أخذوا الكتابة عن الفينيقيين وعنهم أخذها الرومان، فيكون العرب اليمنيون هم الذين أحدثوا الكتابة في العالم ، وبهذا الاعتبار هم الذين أوجدوا المدنية ودعم ذلك بالأدلة.
وذهب إمام الباحثين العلامة "جلازر " إلى أن الكتابة المعينية ترجع إلى ما قبل المسيح بألفي عام، ولذلك يكون أقدم من الكتابة الفينيقية التي لم تظهر إلا قبل المسيح بألف سنة ،رسم أشكال الرموز، وتمثل في نفس الوقت " أثرا باقيا لثقافة فذة ذات شخصية متميزة وعالية التطور كما يقول الدكتور بيستون..وترجع أقدم النقوش اليمنية (المسند) إلى أوائل القرن التاسع قبل الميلاد."اليمن الخضراء مهد الحضارة، محمد الأكوع الحوالي"
طريقة كتابة خط المسند
أما طريقة الكتابة فتتلخص بأنها تكتب في الغالب من اليمين إلى الشمال، وحتى في النصوص القديمة التي كتبت على الطريقة الحلزونية التي يعاكس فيه السطر التالي السطر السابق له في الاتجاه، تجد أنهم يبدأون من اليمين في الغالب .. وفي السطر الذي يكتب من الشمال إلى اليمنيين تتحول اتجاهات الحروف غير المتناسقة مثل الراء والشين وغيرها .
يفصل بين كل كلمة وكلمة عمود رأسي " | ". وعند دخول حرف ذي مقطع واحد كحرف الجر"ب"، والعطف "و"الخ ، فيوصل ذلك الحرف بالكلمة التي يدخل عليها أما إذا كان ذلك الداخل مكونا من حرفين مثل (وبـ ....)فإنه في الغالب يفصل بينه وبين الكلمة التي يدخل عليها بالعمود الرأسي، كما نجد في أغلب النقوش "مثل : (وب / ع ث ت ر)، وتوضع رموز الإعداد بين علامتين خاصتين هكذا | 4| رمز العدد |4|.
ما الذي ترويه النقوش اليمنية القديمة إذن ؟
تروي معالم حضارة عرب أهل اليمن القدماء تجارة نشطة بين الشرق والغرب جلبت ازدهارا فائقاً ، وزراعة مغدقة اتكأت على وسائل من الري راقية بمقاييس العصر آنذاك ، ومعمار قائم على استخدام الحجر وفنون الزخرف الذي لا مثيل له في تاريخ الشرق القديم إلا معمار وادي النيل، شيدت أحجاره التي نحتت بكفاءة الصناع ومهارة فنهم حتى بلغ فنهم مبلغ راق من القدرة على القراءة والكتابة، تمثلت بلغة تتسم بجلال مهيب وخط بديع ينقش بتؤدة وجمال ربما كان أنموذجا بين كل الخطوط العالمية القديمة .
المراجع
- أوراق في تاريخ اليمن وآثاره ،بحوث ومقالات أ.د / يوسف محمد عبدالله
- تاريخ اليمن القديم د/ محمد عبدالقادر بافقيه
- الأدب والثقافة في اليمن عبر العصور أ/ محمد سعيد جرادة
- اليمن الخضراء مهد الحضارة، العلامة محمد الأكوع الحوالي