الأبعاد الداخلية والإقليمية للعلاقات اليمنية - الأمريكية
الأربعاء, 21-مايو-2008
العلاقات اليمنية الأمريكية
أحمد غراب - لم تكن أحداث سبتمبر، وتفجير المدمرة كول الدافع الوحيد للبحث عن علاقات قوية بين صنعاء وواشنطن بل كانت محددا هاما من مجموعة محددات وأبعاد داخلية وخارجية كانت ولا زالت تمثل الدينامو المحرك الذي يدفع العلاقات اليمنية - الأمريكية إلى الأمام فموقف الولايات المتحدة الرافض للتدخل الخارجي في الشأن اليمني في محاولة الانفصال عام 1994 هو ذاته موقفها اليوم من تمرد الحوثي في صعده وعلى سياق الأبعاد الإقليمية للعلاقات اليمنية - الأمريكية يمثل خط التحالف بين واشنطن من ناحية ودول الخليج واليمن من الناحية الأخرى القوة الغالبة المكرسة للحفاظ على الوضع الراهن في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر بشكل عام.
تقف العلاقات اليمنية - الأمريكية أمام ظروف ومستجدات إقليمية وداخلية تمنحها المزيد من الحيوية والنمو ورغم أن هذه العلاقات التي يعود تاريخها إلى أواخر الأربعينيات قد مرّت خلال الأربعة عقود الماضية بمراحل متفاوتة من الشد والجذب إلا أن المتفحص لمسار هذه العلاقات يدرك جيدا أنها كانت ولازالت خاضعة للتطورات الإقليمية ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالمصالح الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر والقرن الإفريقي, وكذلك الحال بالنسبة للتطورات الداخلية في اليمن سواء كانت هذه التطورات أمنية أو سياسية أو اقتصادية باعتبار أن البعد الداخلي ينعكس بتأثيراته على البعد الإقليمي وتزداد تأثيراته في ظل الموقع الاستراتيجي والجغرافي الحساس الذي يقع على مدخل البحر الأحمر ويلتقي بالمحيط الهندي ما يجعل منه ركنا استراتيجيا مؤثرا ومحددا هاما من محددات العلاقات اليمنية - الأمريكية, ولذلك كان من الطبيعي أن تظهر واشنطن اهتماما غير عادي بالانتخابات اليمنية الأخيرة وبالإصلاحات السياسية والاقتصادية الجارية والتطورات الأمنية ورفع مستوى وقدرات الأمن اليمني وجهود مكافحة انتشار السلاح والاهم من هذا وذاك هو مواجهة التحديات الإرهابية بما فيها تمرد الحوثي شمال صعده والذي يرى المراقبون أن خسائر اليمن منه تفوق خسائرها من تنظيم القاعدة ويزداد خطر هذا التمرد في ظل اكتشاف بصمات وأثار إطراف خارجية تدعمه لتحقيق أهداف ومآرب لا تخدم اليمن وجيرانها.

الأبعاد الإقليمية للعلاقات اليمنية - الأمريكية
تتفرع الأبعاد الإقليمية للعلاقات اليمنية - الأمريكية لتشمل جملة من الأبعاد أهمها البعد الخليجي وموقع اليمني الحساس والمؤثر الذي يفرض وجود دور أمني بارز لها في أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي وخصوصا الصومال.
البعد الخليجي
يحوي هذا البعد الإقليمي ضمن إطاره العلاقات اليمنية - الخليجية من جهة والعلاقات الأمريكية - الخليجية من الجهة الأخرى والعلاقة بين الجهتين هي علاقة جزء من كل حيث نرى أن التقارب اليمني الخليجي يأتي مترادفا ومتزامنا مع التقارب اليمني الأمريكي والعكس صحيح بمعنى أن التحالف اليمني الأمريكي بات جزءا لا يتجزأ من التحالف الخليجي الأمريكي, وللاستدلال تاريخيا على هذه الحقيقة يمكننا العودة إلى الوراء حيث نرى أن موقف اليمن من حرب الخليج الثانية ورفضها لقرار استخدام القوة ضد العراق تلاه على الفور قطع المساعدات الأمريكية عن اليمن في نفس الوقت الذي انقطعت فيه المساعدات الخليجية لليمن وخلال تلك الفترة وما تلاها كان الاضطراب هو السمة الأبرز للعلاقات بين صنعاء وواشنطن من ناحية وصنعاء ودول الخليج من ناحية أخرى. ويمكن القول أيضا أن التحالف اليمني الأمريكي في مواجهة الإرهاب ساهم في تعزيز موقع اليمن بين دول الخليج الست وشكل سببا ثانويا إن لم يكن رئيسيا لحدوث التقارب اليمني الخليجي الحاصل.
وتكتسب العلاقات اليمنية الأمريكية أهميتها من الدور الأمريكي البارز في أمن الخليج والذي يتمتع بتأييد كبير من الحزبين الرئيسيين في أمريكا, حيث يجمع رجال النخبة الأمريكيين تقريبا على أن أمن منطقة الخليج يعتبر من المصالح الحيوية الأمريكية ليس من أجل الأسباب المهنية المتعلقة بالأنشطة التجارية فحسب وإنما من اجل تحقيق السيطرة العسكرية والسياسية في هذه المنطقة المهمة استراتيجيا, وهنا يبرز الدور اليمني في الأمن الخليجي كمحدد هام من شأنه أن يدفع بعجلات العلاقات اليمنية الأمريكية دون توقف خلال السنوات القادمة ويمكننا استقراء ذلك بوحي من عدد من العوامل أهمها الموقع الإستراتيجي المتميز والمؤثر لليمن وثانيها وهو الأهم هو أن اليمن بات جزءا في غاية الأهمية من التوازن الخليجي الاستراتيجي في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة سواء في العراق أو ما يخص الملف النووي الإيراني وذلك بعد أن أخذت الولايات المتحدة على عاتقها دور حمايته باعتبار أن أمن منطقة الخليج اليوم يتحدد أساسا من جانب الولايات المتحدة التي تحدث بوجودها العسكري توازنا مضادا لقوى أخرى مثل إيران على سبيل المثال وبيت القصيد يتضح لنا من خلال هذا السرد هو أن درجة التقاء المصالح القومية لكل من الولايات المتحدة والدول الخليجية بما فيها اليمن هي المحدد الأساسي والرئيسي لطبيعة العلاقات القائمة بين واشنطن والدول الخليجية بما فيها اليمن , والنتيجة الأهم من ذلك التي يمكن أن نصل إليها هنا هو أن خط التحالف بين واشنطن من ناحية ودول الخليج واليمن من الناحية الأخرى يمثل القوة الغالبة المكرسة للحفاظ على الوضع الراهن في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر بشكل عام.
وثانيها هو أن الكثافة السكانية في اليمن تمنح الدول الخليجية قوة ديمغرافية مضادة باعتبار أن سكان اليمن يساوي في الكم على الأقل سكان بقية شبه الجزيرة العربية.
الدور اليمني في الصومال
تضطلع اليمن بدور إقليمي هام في الصومال له أثره المباشر على نمو العلاقات اليمنية الأمريكية حيث تشارك في طوق امني مشترك مع واشنطن لمنع حدوث أي تسريب سواء لعناصر من تنظيم القاعدة أو للأسلحة, كما أن موقع اليمن يشكل نافذة يمكن العبور من خلالها إلى الصومال ويمكن وضعها تحت مراقبة لصيقة وتتبع تحركات أي عناصر من تنظيم القاعدة في الصومال أو المنطقة من خلال اليمن والعامل الثالث يتمثل بعلاقات الرئيس اليمني القوية بالإطراف الصومالية الحاكمة باعتباره تبنى العديد من المصالحات الصومالية والتي كان أخرها اتفاق عدن الأخير بالإضافة إلى استقطابه للصومال للانضمام إلى دول تجمع صنعاء والاهم من ذلك هو الوساطة الناجحة بين التيار المعتدل للمحاكم الإسلامية وبين واشنطن وتزداد أهمية الدور اليمني في الصومال في زيادة اعتماد واشنطن على اليمن كشريك أساسي في الحرب على الإرهاب في المنطقة كما أن هذه الأهمية تتنامي مع تزايد تخوفات واشنطن من تأثيرات تنظيم القاعدة في الصومال على المنطقة.

الأبعاد الداخلية للعلاقات اليمنية - الأمريكية
الأبعاد الداخلية كان وما زال لها دورها الفعال في تعزيز العلاقات اليمنية الأمريكية ومن خلال النظر إلى المقدمة المنطقية والإستراتيجية للسياسية الأمريكية في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر يمكننا أن نلاحظ أن من أولويات هذه الإستراتيجية عدم التدخل في أي شأن يمني داخلي باعتبار أن لذلك أثاره الكارثيه ليس على أمن اليمن فحسب بل وعلى منطقة الخليج الأمر الذي يعود بالضرر على المصالح الإستراتيجية العسكرية والاقتصادية لواشنطن في المنطقة ولملامسة أوتار هذه الحقيقة ومعرفة أبعاد ومعرفة مدى أهمية الأبعاد الداخلية في العلاقات اليمنية الأمريكية يمكننا أن نستدل هنا بشواهد عديدة أبرزها ما حدث عام 1994 عندما نشبت حرب الانفصال في اليمن حيث اعتبرت واشنطن المحاولة الانفصالية شأنا داخليا وتصدت لمحاولات التدخل الخارجي في الشأن اليمني في ذلك الوقت ولعل هذا الموقف شكل أساسا قويا لنمو العلاقات بين صنعاء وواشنطن, وكذلك الحال في عام 1995 أثناء النزاع اليمني مع أرتيريا حيث اضطلعت واشنطن بدور هام في إنهاء هذا النزاع , الأمر الذي كان له أثاره الإيجابية على تعزيز العلاقات اليمنية الأمريكية وتتفرع الأبعاد الداخلية اليمنية للعلاقات اليمنية الأمريكية لتشمل محددات خاصة بالجانب الأمريكي أهمها: ملاحقة ومكافحة الإرهاب وملف اليهود اليمنيين والإصلاحات السياسية والاقتصادية وملف التيارات الإسلامية, وفي الجانب المقابل تتعدد المحددات الخاصة بالجانب اليمني لتشمل المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية وملف المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو وملف المؤيد ورفيقه والشيخ الزنداني.
ولأهمية البعد الداخلي في العلاقات اليمنية الأمريكية تسببت بعض تقارير وزارة الخارجية الأمريكية التي تضمنت ما قالت أنه تجاوزات لحقوق الإنسان توتر في العلاقات سرعان ما تم إزالته من خلال انتهاج الحكومة اليمنية لإصلاحات متعددة لتحقيق المزيد من التقدم فيما يخص حقوق الإنسان للحفاظ على مكانة اليمن التي تستمد احترامها في العالم من تجربتها الديمقراطية ومستوى الحريات فيها.
موضوع الإرهاب
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تزايد التعاون الأمني بين الولايات المتحدة واليمن، بعد أن كانت اليمن ضمن القائمة الأمريكية للدول التي تؤوي إرهابيين وبالرغم من أن أحداث 11 سبتمبر 2001، وقبلها حادثة المدمرة كول سلّطتا الأضواء على مسألة التعاون الأمني بين صنعاء وواشنطن فإن ذلك لا يعني أن هذا التعاون وليد تلك الأحداث؛ فقد سبقها بعدة أعوام، وبالتحديد منذ انتهاء حرب الانفصال عام 1994؛ حيث برز ملف الإرهاب والتطرف كقضية محورية في السياسة الخارجية اليمنية مع دول عدة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمر الذي جعل هذا الموضوع هو المحدد الأساسي للعلاقات الأمريكية مع اليمن وجعل من الصعوبه فصل العلاقات اليمنية مع الولايات المتحده عن الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب تلك الحملة التي تقودها واشنطن بشكل رئيسي, وبالتالي كان من الطبيعي أن تطغى الجوانب الأمنية في كثير من الأحيان على العلاقات بين صنعاء وواشنطن وفي إشارة إلى نجاح الجهود اليمنية لملاحقة عناصر الإرهاب اتخذت السلطات الأمريكية عدة إجراءات تشير إلى قناعتها بالجهود اليمنية في مكافحة الإرهاب وقد شكل تفجير المدمرة كول نقطة تحول في العلاقات بين صنعاء واشنطن حيث بدد الرئيس اليمني احتمالات توجيه ضربة عسكرية عندما التقى بالرئيس بوش في الثامن والعشرين من نوفمبر 2001, وتم الاتفاق على الخطوط العريضة للتعاون الأمني, وشكلت تلك الزيارة نقطة تحول غير عادية في العلاقات اليمنية الأمريكية وعلى إثر ذلك سارعت الحكومة اليمنية لوضع خطة أمنية ودبلوماسية لمواجهة هذا الملف، وتبديد الشكوك التي كادت تدرج اليمن ضمن قائمة الإرهاب في العالم.