المشترك ومقاطعة الذات
الأحد, 18-مايو-2008
علي الثلايا
علي الثلايا - الشعور المسبق بالخسران المحقق يجعل المرء غارقاً في ملذة البحث عن مشاجب وعكازات وشماعات يحيكها ويسكبها ويبدأ بحباكتها قبل المواجهة ويهيئ لحتمية هزيمته مناخاً ملا ئماً وجواً مناسباً تصبح معه مسألة تقبل الخسارة حين وقوعها أمراً مألوفاً وليس ذا وقع شديد متحججاً في ذلك بقوله " لو كنت فعلت كذا لكان كذا وكذا".
تماماً كما تفعل أحزاب المشترك جملة وتفصيلاً فهي تؤمن إيماناً مطلقاً وتدرك قبل غيرها بأنها لا تملك قدراً ضئيلاً من الوعي السياسي الذي يؤهلها – أمام ذاتها على الأقل لأن تصنع لنفسها شيئاً يجعل منها كياناً يعتد به في عملية التقييم والتوصيف والتصنيف السياسي ( أمام الآخرين ) في أفضل حالات التباين المتناقض في تركيبته أو في أسوأ ظروف الانسجام الذي يمكن أن يتكون في ظل إلتقاء الأضداد واجتماع المتناقضات وتفاعلها معاً في بوتقة مصلحية ومعملية واحدة أفرزت - بدورها- مخلوقاً مشوهاً اسمه (المشترك).
وباختصار شديد ينبغي القول بأن المشترك معذور ( وعنده حق ) إذا ما قاطع انتخابات المحافظين أو ما سبقها من الفعاليات السياسية والوطنية أو ما ستشهده الساحة مستقبلاً من فعاليات انتخابية أو غيرها.
وعذره في ذلك يتمثل في أنه - أي المشترك- يدرك يقيناً ويؤمن إيماناً مطلقاً ليس أمام الآخر فحسب وإنما أمام ذاته المنقسمة ونفسيته المجزأة بأنه لايملك رصيداً سياسياً ولا وطنياً ولا جماهيرياً يؤهله لأن يكون شريكاً فعلياً في إدارة أو محاولة المساهمة بما تيسرفي إدارة عجلة الحراك ( الديموتنافسي ) بمعني أن هناك فارقاً كبيراً بين كل من الهالة الإعلامية التى يظهر بها المشترك من خلال قنواته الإعلامية التى تعتبره " بعبعاً ، لا مثله ولا قبله ولا بعده" وبين الصورة الحقيقية والوجود العملي والوزن الفعلي للمشترك في ساحة المبارزة السياسية، ومضمار التنافس الخلاق والمشاركة البناءة وخوض غمار الإختبار الذي يكرم فيه المرء أو يهان.
وبالتالي فإن ثمة أمراً ينبغي الإشارة إليه وعدم إغفاله في هذه الأثناء مفاده بأن قرار المشترك لمقاطعة انتخابات المحافظين لم يكن بطبيعة الحال قراراً ارتجالياً بقدر ماكونه نتاجاً طبيعياً أفرزته حالة الإنقسام التى يعيشها المشترك مع ذاته المتناقضة، وظاهرة الانفصام التى تسيطر على تركيبته بشكل ضمني ومضمرلا يفصح عنها علناً وإنما يعبر عنها من خلال مثل هكذا قرارات.
ولئن كان لابد مما ليس منه بد فإن " الهربة " بحد ذاتها تعد عملاً ذكياً وإجراءً وقائياً إضطرارياً من شأنه أن يحفظ له ماء الوجه إذا كان لا يزال يظن بأن ثمة بقية باقية من ذلك الماء الذي نضب معينه وجف نبعه مع مرور كل فعالية سياسية أو مناسبة انتخابية .
بيد أن قرار المقاطعة هذا إنما يعد بكل المقاييس تحصيناً إحترازياً وسبيلاً للهروب من مواجهة الواقع " واقع المشترك في الساحة ومسكناً موضعياً للتخفيف من شدة الألم الناتج عن افتقاره " أي المشترك " لأ بسط مقومات خوض غمار المنافسة في ميدان التباري السياسي الذي تتحكمة – في الأخير – نتائج الصندوق وحدها وليست قصائده العصماء وخطبه الجوفاء وأبواقه المأجورة وإعلامه المهترئ، الذي يجافي الحقيقة ويتنافى مع الواقع..وأخيراًيمكن القول بأن قرار المشترك بالمقاطعة لا يعدو عن كونه إعترافاً مسبقاً بمدى الخسارة التى كان سيمنى بها وتصريحا ً واضحاً بحجم الإفلاس السياسي والجماهيري الذي جاء نتاجاً منطقياً وطبيعياً لجملة من المعطيات المشهودة التى يعرفها الشعب فرداً فرداً ولايجهلها عاقل.