مستجدّات ظاهرة الإرهاب وتحولاتها في اليمن: قراءة أولية
الثلاثاء, 17-فبراير-2009
عايش عواس - شهدت الظاهرة الإرهابية في اليمن خلال السنوات العشر الماضية تحولات لافتة ليس في جانب الخطط والتكتيكات والأسلحة المستخدمة في تنفيذ الهجمات العنيفة فقط، وإنما كذلك في مجال الأهداف والتحالفات والقطاعات المستهدفة. وسنحاول في السطور التالية مناقشة أهم وأبرز هذه التحولات، مستندين إلى ما توافر من المعلومات بهذا الخصوص.

في النهج والاستراتيجية
كانت إستراتيجية الجماعات "الجهادية"/ الإرهابية، وعلى رأسها بطبيعة الحال تنظيم "القاعدة"، تتلخص في ضرب "العدو البعيد" وتجنب المواجهة والصدام مع "العدو القريب"، وظل ذلك نهجاً ثابتاً التزمت به "القاعدة" منذ إعلان جبهة الجهاد العالمي ضد الكفار والصليبيين (القاعدة) عام 1998 وحتى حلول نهاية عام 2005، وقد تجسّد ذلك على أرض الواقع عبر تركز هجمات الجماعات "الجهادية"/ الإرهابية بدرجة رئيسية طوال هذه المرحلة على رعايا ومصالح الدول الأجنبية وارتفاع عدد الضحايا من الأجانب في هذه الفترة، فمن بين 12 عملية تم تنفيذها في المدة الزمنية المشار إليها كان منها 8 عمليات موجهة ضد أهداف خارجية وأربع عمليات فقط موجهة ضد أهداف محلية. وتتأكد مصداقية هكذا توجه من استعراض جنسيات ضحايا تلك العمليات، إذ وصل إجمالي عدد الضحايا جراء الهجمات في الفترة نفسها إلى ما يقارب 29 شخصاً جميعهم من الأجانب ما عدا ضحيتين فقط تحملان الجنسية اليمنية. بيد أن إستراتيجية الجماعات الجهادية/ الإرهابية، و"القاعدة" منها على وجه التحديد، أخذت تتغير منذ حلول نهاية عام 2006 بحيث وسّعت مجال أهدافها لتشمل ضرب "العدو البعيد والقريب" على حدٍّ سواء، بل لا نبالغ إذا ما قلنا أن استهداف "العدو القريب" في السنوات الثلاث الأخيرة بات أكثر من ضرب "العدو البعيد"، ويتجلى ذلك في ارتفاع عدد الهجمات العنيفة ضد الأهداف المحلية، وكذا في تزايد عدد الضحايا من اليمنيين مقارنة بالفترة الماضية. فخلال الفترة الممتدة من أيلول/ سبتمبر 2006 وحتى نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الجاري (2008)، بلغ إجمالي عدد الهجمات التي نفّذها تنظيم "القاعدة" في اليمن حوالي 14 عملية، منها 5 هجمات موجهة ضد أهداف أجنبية، و9 هجمات موجهة ضد أهداف محلية. وتبعاً لذلك، فقد ارتفع عدد الضحايا في هذه المرحلة بشكل ملحوظ، لتصل الحصيلة الإجمالية إلى نحو 36 شخصاً، منهم تسعة فقط من الأجانب و27 من حاملي الجنسية اليمنية. وعلى الأرجح، فإن التغير المشار إليه يعود لسببين رئيسيين: أولهما يتعلق بتحول نشاط "القاعدة" من الطابع العالمي إلى الطابع المحلي نتيجة الضربات المؤثرة التي تلقاها التنظيم وعمليات المطاردة لقياداته العليا، مما ترتب عليه إضعاف التواصل بين مركز التنظيم وفروعه، ومن ثمّ ترك المجال لفروع القاعدة على المستوى القطري لتبنى خياراتها بنفسها. ويتمثل السبب الثاني في تضييق الفرص أمام تسرّب عناصر الجماعات الجهادية/ الإرهابية إلى ساحات المواجهة خارج اليمن مثل العراق والصومال وغيرها بفعل تشديد الرقابة الأمنية على تنقلات تلك العناصر ومنعها من السفر خارج البلاد، وهو الأمر الذي دفع تلك العناصر على ما يبدو إلى محاولة تفريغ طاقاتها داخل الساحة المحلية.

القطاعات المستهدفة
في المرحلة الماضية كان قطاع السياحة هو المستهدف الرئيسي من قبل الجماعات الجهادية/ الإرهابية في اليمن، يليه في المرتبة الثانية قطاع البعثات الدبلوماسية والعاملين فيها، لكن الوضع تغيّر في الفترة الأخيرة وباتت المرافق الأمنية ومنتسبيها تحتل المرتبة الأولى في قائمة القطاعات المستهدفة من قبل الجماعات الجهادية/ الإرهابية؛ فمن إجمالي 14 عملية نُفّذت خلال هذه المرحلة كانت 6 منها موجهة ضد جهات أمنية ومقار حكومية، وهو ما يعني أن الحكومة اليمنية والجماعات الجهادية في المرحلة الراهنة قد وصلتا بالفعل إلى مفترق طرق. فيما احتلت المنشآت النفطية والبعثات الدبلوماسية المرتبة الثانية في نفس القائمة وبواقع ثلاث هجمات لكل منهما على حده، ثم القطاع السياحي في المرتبة الثالثة وبواقع هجومين أحدهما استهدف قافلة للسياح الأسبان في محافظة مأرب منتصف عام 2007، والآخر استهدف مجموعة من السياح البلجيك في محافظة حضرموت يوم 18 آذار/ مارس من العام الجاري (2008).

الخطط والتكتيكات
تميّزت العمليات الإرهابية خلال الفترة من 1998 وحتى نهاية 2005 بالدقة في التخطيط والقدرة على بلوغ الأهداف، وأيضاً بتباعد المراحل الزمنية ما بين العملية والأخرى التي تليها، وكان متوسط المدة الزمنية يتراوح ما بين عام كحدٍّ أدنى وعامين كحدٍّ أقصى. فعلى سبيل المثال، كان فارق الوقت ما بين حادث اختطاف السياح الأجانب في محافظة أبين عام 1998 وتفجير المدمرة الأميركية كول في ميناء عدن حوالي عامين تقريباً، وبالمثل فقد استغرق الاعداد لتفجير ناقلة النفط الفرنسية ليمبرج في عام 2002 المدة نفسها، لكن الوضع بهذا الخصوص شهد تغيرات ملحوظة؛ فمن ناحية، غلب على الهجمات الأخيرة طابع التهور والعشوائية والعجز عن بلوغ الأهداف النهائية المقصودة من وراء تنفيذ العمليات، فمن بين 14 عملية نفذتها القاعدة في الثلاث السنوات الأخيرة لم تنجح منها سوى عمليتين فقط، وبقية العمليات يمكن القول أنها أخفقت في تحقيق أهدافها، ويعزو البعض ذلك إلى قلة الخبرة لدى الجيل الجديد من العناصر الجهادية/ الإرهابية مقارنةً بأسلافهم.
وعلى النقيض من الفترة السابقة، فقد اتسمت الهجمات الأخيرة بتزايد عددها وتقارب المسافة الزمنية ما بين الهجمة والهجمة التي تليها، بحيث تراوح المتوسط الزمني ما بين خمسة أشهر كحدٍّ أعلى وعشرين يوماً كحدٍّ أدنى. فعلى سبيل الاستدلال، وقع حادث الهجوم بالسيارات المفخخة على المنشآت النفطية في مأرب وحضرموت أوائل شهر أيلول/ سبتمبر عام2006 وبعد حوالي خمسة أشهر من تاريخ الحادث، وتحديداً في 23 آذار/ مارس 2007، اغتيل نائب مدير البحث الجنائي في مأرب العقيد علي قصيلة على أيدي عناصر تابعة لتنظيم القاعدة، ولم يكد يمضي ثلاثة وعشرون يوماً من تاريخ الحادث، وعلى وجه التحديد يوم 2 تموز/ يوليو، حتى وقع هجوم بواسطة سيارة مفخخة على قافلة من السياح الأسبان. بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد وقوع أكثر من هجمة في اليوم الواحد. ولعل أهم ما يلفت الانتباه في سياق متابعة تحولات الظاهرة الإرهابية في اليمن هو طغيان حضور الجيل الثاني من تنظيم القاعدة في الهجمات الأخيرة في مقابل التراجع النسبي للجيل الأول؛ ففي السنوات الثلاث الأخيرة بلغ عدد منفذي الهجمات الانتحارية اثني عشر شخصاً منهم اثنين فقط من المحسوبين على الجيل الأول، فيما البقية وعددهم 9 يعدون عناصر جديدة غير معروفة سابقاً، أي من عناصر الجيل الثاني. ولعل السبب في ذلك هو شعور قيادة تنظيم القاعدة في اليمن أن الصف الأول من التنظيم باتوا معروفين للأجهزة الأمنية وموضع مراقبتها الدائمة مما يعني سهولة رصد تحركاتهم، ومن ثمّ فقد تم اللجوء من قبل التنظيم إلى العناصر الجديدة بحكم أنها ليست معروفة لدي الأجهزة الأمنية، مما يعطي هذه العناصر فرصاً معقولة للحركة وتنفيذ هجمات مباغتة، وربما يعود ذلك إلى مقتضيات الفئة العمرية؛ فكما هو معروف يميل أصحاب السن المتقدم في العادة إلى الهدوء وعدم التهور في حين تكون العناصر الشابة في العادة مملوءة بالحماس والاندفاع وحُبّ المغامرة، يضاف إلى ذلك أن الكثير من قيادات وعناصر الجيل الأول قد تم احتوائهم من قِبَل الحكومة اليمنية، ولم يعد يرون أن من المناسب العودة لممارسة أعمال العنف.

الأسلحة والأدوات
كانت الأسلحة المستخدمة في تنفيذ الهجمات العنيفة بمختلف أنواعها في الفترة الماضية تتمثل بالقنابل اليدوية وأصابع الديناميت والمسدسات وآليات الكلاشنكوف، وفي بعض الحالات كانت الجماعات الجهادية/ الإرهابية تلجأ إلى استخدام الزوارق المطاطية المحملة بكميات كبيرة من المتفجرات، وبالذات لمهاجمة الأهداف البحرية كما هو الحال في حادث تفجير المدمرة (كول) وناقلة النفط الفرنسية (ليمبرج)، لكن الوقائع في الآونة الأخيرة أكدت على وجه اليقين ظهور أسلحة جديدة وأكثر تطوراً من تلك المستخدمة في الفترة السابقة، وقد تمثلت بالسيارات المفخخة وهو السلاح الأكثر حضوراً في الفترة الراهنة حيث وصل عدد الهجمات المنفذة بهذا الأسلوب خلال الفترة من عام 2006 وحتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر من العام الجاري (2008) خمس عمليات، وفي المرتبة الثانية قذائف الـ (آر. بي. جي) بواقع هجومين، بالإضافة إلى الصواريخ المحمولة على الكتف والرسائل المفخخة. وأكثر ما يلفت الانتباه بهذا الشأن أن بعض الأسلحة المستخدمة في تنفيذ الهجمات الأخيرة تم الحصول عليها من مصادر خارجية وليس من الداخل كما كان عليه الأمر في الفترة السابقة، وطبقاً لبعض المعلومات فقد تم تنفيذ بعض الهجمات بقذائف يتم إطلاقها عن بُعد ولا تُصدر أصواتاً ولا وميضاً عند إطلاقها، وحسب المصادر نفسها فإن هذا النوع من الأسلحة باهض الثمن مما يدعو إلى التساؤل عن كيفية حصول الجماعات "الجهادية"/ الإرهابية على مثل هذا لنوع من الأسلحة، وهل باستطاعة هذه الجماعات شراء مثل هذه الأنواع من الأسلحة في ظل حالة الرقابة الشديدة على مصادر تمويلها من قبل المجتمع الدولي.

النطاق الجغرافي
في الفترة الماضية كان نشاط الجماعات "الجهادية"/ الإرهابية في اليمن، أو بالأصح هجماتها، تمتد في ست محافظات هي صنعاء وأبين وحضرموت وعدن وإب ومأرب إلى حد ما. وكان النشاط يتركز بدرجة رئيسية في العاصمة صنعاء، كما كان يشمل البر والبحر غير أن الهجمات في السنوات الثلاث الماضية انحصرت في خمس محافظات (صنعاء، ومأرب، وحضرموت، وعدن، وأبين) وإن بنسب متفاوتة، كما أصبح نشاط الجماعات الجهادية/ الإرهابية يتركز في مناطق الأطراف بصوره ملحوظة، سواء استندنا إلى أماكن تنفيذ الهجمات أو إلى أماكن وجود خلايا وعناصر تلك الجماعات؛ فأكثر من نصف الهجمات التي نُفّذت مؤخراً وقعت في مأرب وحضرموت، وعمليات المواجهة بين قوات الأمن اليمنية وعناصر التنظيمات "الجهادية"/ الإرهابية باتت أيضاً تنحصر في نفس المحافظتين. ولم يقتصر التراجع في البر وإنما امتد إلى البحر أيضاً، بحيث لم نعد نسمع بحدوث أي هجمات في المياه الإقليمية اليمنية كما كان عليه الحال سابقاً، وهذا التراجع يعزوه البعض إلى الإجراءات الأمنية المشددة، وتلاحق الضربات الأمنية الموجعة ضد التنظيمات الجهادية/ الإهاربية، مما أجبرها إلى اللجوء إلى المناطق النائية باعتبارها الأكثر أماناً. فيما يرى آخرون أن تركز نشاط تلك التنظيمات في محافظات الأطراف (مأرب، وحضرموت) جاء استجابة للإستراتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة، والتي تركز بشكل أساسي على استهداف قطاع النفط، وهو ما اقتضى تركيز الحشد والنشاط في المحافظات البترولية.

نمط التحالفات
ومن ضمن التطورات التي ينبغي التوقف عندها، بهذا الخصوص، توسّع نطاق التحالف بين الجماعات "الجهادية"/ الإرهابية في اليمن ونظيراتها في دول الخليج. فعلى النقيض من الفترة السابقة، والتي كانت فيها فروع التنظيم تعمل بشكل مستقل في كل دولة على حده، إلا أن الوقائع الأخيرة أثبتت أن هناك تنسيق بين تنظيم "القاعدة" في اليمن وتنظيم "القاعدة" في السعودية، وبمقتضى هذا التنسيق فإن إعداد الخطط وتحديد الأهداف التي سيتم مهاجمتها في البلدين يتم بشكل مشترك، وهذا ما أشارت إليه تصريحات المسئولين اليمنيين عقب مهاجمة قوات الأمن اليمنية لخلية تابعة للقاعدة في مدينة تريم بمحافظة حضرموت أواخر شهر آب/ أغسطس من العام الجاري (2008)، والتي كان من نتائجها مصرع حمزة القعيطي أحد قادة "القاعدة" البارزين في اليمن، حيث أشارت تلك التصريحات وقتها إلى كشف مخططات لمهاجمة أهداف في كل من السعودية واليمن. وتؤكد المعلومات المتداولة بهذا الشأن أن هناك تحالف قائم بالفعل حالياً بين تنظيمي "القاعدة" في اليمن والسعودية بناء على توجيهات من زعيم التنظيم أسامة بن لادن، بعد أن رأى الأخير أن من الصواب توجّه تنظيم "القاعدة" في السعودية إلى اليمن بهدف التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الصفوف على إثر الضربات التي تلقاها التنظيم في السعودية خلال السنوات الأخيرة.
وأكثر ما يلفت الانتباه، بهذا الخصوص، هو أن نشاط التنظيمات الجهادية/ الإرهابية في الفترة الأخيرة بات يثير الكثير من التساؤلات، لاسيما في ضوء المعلومات التي ترددت مؤخراً حول ارتباط بعض خلايا التنظيمات المشار إليها بأجهزة استخبارات خارجية، وإذا ما ثبت صحة مثل هذه المعلومات فإن ذلك لا يعني سوى واحد من أمرين: إما وأن التنظيمات الجهادية/ الإرهابية باتت مُخترقة من أجهزة مخابرات دولية، أو أن هناك تنظيمات إرهابية تُمارس نشاطها باسم تنظيم القاعدة. وفي كلا الحالتين فإن الأمر يشير إلى دلالات بالغة الخطورة. 

المصدر: مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية.