نريد وحدة عربية ولو في جزئيات اقتصادية
السبت, 31-يناير-2009
احمد محمد الشرعبي - افترض الكثيرون أن تخرج القمة العربية الاقتصادية في الكويت عن خطوط الفشل للقمم العربية السياسية، وذلك لعدم ارتباطها بقضايا سياسية ثم التحضير للقمة منذ أكثر من عام ونصف ثم إعداد الملفات وعرضها على المجتمعين بشكل منظم ومدروس واخيراً إشراك القطاع الخاص والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي في العمليات التحضيرية لكي يتم التعرف الكافي إلى الاستهدافات الحقيقية والمواضيع المعيارية المطلوب إيجادها لخدمة العالم العربي، وبالتالي فقد جرى تحضير المجتمعين لمعرفة الوضع العمومي التنموي والاقتصادي في العالم العربي بصورة دقيقة وواضحة المعالم والتضاريس.
وأظن وبعض الظن إثم أن الحاجات لتنمية حقيقية في المجتمعات العربية لا تخفى على صناع القرار العربي الذين غرقوا في خلافاتهم السياسية، الذي بات عليهم أن يخلعوا عن أنفسهم وعن منطقتنا العربية هذه الهامشية في التأثير العربي، إذ صار مجموع 22 دولة عربية لا يكاد يشكل وزناً تلتفت إليه الدول الطامحة في العالم، على الرغم من وجود امكانات وقدرات مهولة في الأراضي والسواحل والسماء العربية وخاصة هذه الأخيرة إذ ينظر إلى أن مستقبل الطاقة الشمسية سيكون أيضاً لدى الشرق الأوسط.
ويعتقد الخبراء والمتخصصون أن العرب لن يكون لهم حضور وتأثير في العالم مالم يشكلوا قوة اقتصادية، لذلك يتمنى الاقتصاديون أن يذهب باقتصاد وتنمية العرب بعيداً عن السياسة العربية، خاصة وأن عقبات وإشكالات السياسة يتعسر -وربما يستحيل- الخروج منها بسياسة تخرج عن نطاق الإضرار بالعرب وبأمنهم الاستراتيجي.
لذا كان لابد تخرج قليلاًَ قمة الكويت العربية الاقتصادية خارج نطاق الجمود العربي، الذي تحرك نحو جزئيات اقتصادية واحدة تلملم مانثرته السياسة العربية طيلة أربعين عاماً خلت.
بالتالي كان إطار عمل القمة هو قرارات بمشاريع اقتصادية في جانب الربط البري العربي بالسكك الحديدة، خاصة أن مجلس وزراء النقل العربي قد وافق على مخطط إطلاق المشروع شريطة القيام باتخاذ الخطوات اللازمة لتعديل ومواءمة التشريعات الوطنية من طرف الدول الأعضاء بالإضافة إلى وضع والأطر التنظيمية ذات الصلة لإلغاء المعوقات للمشروعات المخططة موضع التنفيذ .
وبدورها الدول الأعضاء ناقشت آلية تمويل المشروعات المزمع تنفيذها بناءاً على المعايير التجارية على أن تكون الدعوة مفتوحة أمام استثمارات القطاع الخاص ومساهمات مؤسسات التمويل العربية وصناديق التمويل العربية والإقليمية والدولية.
وفي ذات الاتجاه أخذ الاتحاد الجمركي بين الدول العربي مظهراً إيجابياً ومثمراً، حيث تصورت القمة أن البدء باتخاذ الخطوات اللازمة لإقامة اتحاد جمركي عربي قد حان أوانه ابتداءً من العام 2010 على أن يتم الانتهاء من استكمال كل متطلبات التطبيق الكامل عام 2015 وتكون الإجراءات القانونية من قبل الدول المؤهلة –لذلك- تمهيدا للوصول إلى السوق العربية المشتركة، مع ضرورة تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي للقيام بالإجراءات اللازمة وفق ا لتوقيتات الزمنية المتفق عليها.
من جانب آخر أخذ الأمن المائي العربي حيزاً في القمة، وإن بدا متأخراً حيث لم يتم بعد وضع استراتيجية واضحة للأمن المائي العربي، إذ سيتم تكليف المجلس الوزاري العربي للمياه وضع استراتيجية للأمن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة، بحيث تتم الموافقة على مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المالية، بالإضافة إلى دعوة صناديق ومؤسسات التمويل العربية للمساهمة في تمويل تنفيذ المشروع، ويخصص المركز العربي لعمل دراسات خاصة بالمناطق الجافة والأراضي القاحلة لكي تسهل متابعة تنفيذ المشروع بالتعاون مع المؤسسات الوطنية المعنية بالدول العربية، وعلى أن يتم تقديم تقرير دوري حول التقدم المحرز إلى القمة.
وبشكل متأخر جداً تطرق العرب إلى موضوع البطالة الذي تعاني منه بلدانهم وكيفية دعم التشغيل، واعتمد المجتمعون الفترة من 2010 إلى 2020 كسنوات يتم فيها دعم التشغيل وتخفيض البطالة مؤملين أن يكون ذلك التخفيض إلى النصف حتى العام 2020، وعلى أن يراعى في التنمية المؤملة دعم كفاءة التشغيل وجودة المنتج وتوفير فرص عمل للحد من البطالة، وعلى أن يترافق مع السابق تحسين ظروف حياة وعمل المشتغلين، وافترض القمة أن يتم تسهيل تنقل الأيدي العاملة بين الدول العربية.
ناهيك عن قرار بالتخفيف من حالة الفقر في العالم العربي وفق تصور سابق عنوانه تنفيذ البرنامج العربي للحد من الفقر في الدول العربية وتمويل مشروعاته لمدة أربع سنوات ودعوة مؤسسات التمويل العربية إلى المساهمة في تمويله ووضع سياسات اقتصادية اجتماعية تتيح خفض معدلات الفقر إلى النصف في فترة أقصاها 2015، بحيث تنظم العملية بصورة توفير التمويل اللازم لشبكات الأمن الاجتماعي وللمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
إلى ذلك تم الخروج بقرارات تتعلق بتنفيذ الإعلان العربي لتحقيق الأهداف التنموية للألفية خلال 2009 و2015 مع التركيز على الدول العربية الأقل نموا، ومشروع قرار تطوير التعليم في الوطن العربي بعد تنفيذ خطة التطوير بين 2009 و2010 وعلى أن يتم رفع موازنات وزارات التعليم العربية.
علاوة على مشروع قرار تحسين مستوى الرعاية الصحية -الأسرة خصوصاً- في الدول العربية بحيث يكون ذلك في قمة أولويات برامج وزارات الصحة العربية وفقاً لمعايير الدولية لمنظمة الصحة العالمية.
لكن الذي يخاف منه في العالم العربي أن السياسة العربية لا يستطيع الوقوف تحديداً عند منتهى ركابها بمعنى ضمان منتهى نتاج تأزمات العلاقات البينية العربية في المستقبل، فربما تطوح بالاقتصاد المواقف الارتجالية التي لا تخرج عن عقلية الثأر في القبيلة، بيد أن من تقاليد القبيلة أن الأخ يقوم حمية مع أخيه على أبناء عمومته لكن الجميع تنهض بهم الحمية على الغريب... وأجزم ولست الظن أن العرب تجمعهم خصائص وميزات مشتركة ليتها تحرك سكونهم باتجاه اقتصاد عربي ولو في جزئيات معدودة. 


خاص: معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث