عمالة الأطفال في الجمهورية اليمنية: الواقع والمعالجات
الأحد, 30-مارس-2008
عمالة الأطفال
حسيبة يحيى شنيف - مدخل
ظاهرة عمالة الأطفال من الظواهر التي تعاني منها كثير من الدول وخاصة دول العالم الثالث والجمهورية اليمنية من ضمن هذه الدول التي تواجهها كثير من التحديات الناجمة عن الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية وظروف التحول الاقتصادي وما نتج عنه من اتساع دائرة الفقر حيث بدأت ظاهرة عمالة الأطفال في الانتشار منذ بداية التسعينات التي رافقها كثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة واعترافا بأهمية مواجهة هذه التحديات التي تعوق برامج التنمية في بلادنا فقد صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها الاتـفاقية الدولية لحقوق الطفل في عام 1991م التي تنـص في المادة رقم (32) منها بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي وتدعو المادة الدول الأطراف اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة وبوجه خاص بما يلي:
أ 0 تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بالعمل.
ب0 وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه.
ج0 فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة لضمان إنفاذ هذه المادة بفعالية.
كما ينص قانون العمل اليمني رقم (5) لعام 1995م في المادة (48) على أن ساعات العمل للأحداث يجب ألا تتجاوز 7 ساعات في اليوم و 42 ساعة في الأسبوع وأن على أرباب العمل إعطاء استراحة ساعة واحدة من ساعات العمل وأن لا يجبروا الأطفال على العمل لأكثر من د0 ساعات متتالية وتحظر المادة كذلك تشغيل الأحداث بعد الوقت المحدد أو خلال العطل الرسمية او العمل في الليل ما لم تسمح بذلك وزارة العمل.
وفي المادة (49) تحظر تشغيل الأطفال دون موافقة والديهم وأولياء أمورهم ويجب عند استلام الموافقة أن يسجل الأطفال لدى مكتب العمل حتى يتم مراقبة ظروف عملهم وتحظر أيضا تشغيل الأطفال في المناطق البعيدة وتلزم رب العمل بأن يوفر بيئة صحية وأمنة للعمل طبقا للشروط المنصوص عليها من قبل وزارة العمل.


أما المادة (51) من القانون فقد نصت على إلزام رب العمل بأن:
- يفتح سجلا لكل حدث في خدمته يحتوي على المعلومات الأساسية المطلوبة من قبل وزارة العمل أو مكتب العمل المحلي عنه.
- القيام بفحص طبي أولى لكل حدث موظف وبفحوصات دورية فيما بعد ذلك كلما كان ضروريا يظهر في مكان بارز في كل مواقع العمل الأنظمة المتعلقة بعمل الأطفال وحقوق الأطفال العاملين طبقا لقانون العمل التنفيذية الصادرة من وزارة العمل. كما تفرض المادة (145) على أرباب العمل دفع غرامة تتراوح بين 1000-10.000 ريال يمني عند خرقهم للأحكام المتعلقة بالأطفال العاملين.

تحديد ظاهرة عمالة الأطفال
أصبحت عمالة الأطفال تحظى باهتمام واسع من المجتمع العربي والدولي لخطورتها وانعكاساتها السلبية على الأسرة والمجتمع فقد ورد في تقرير منظمة اليونسيف لعام 97م حول عمالة الأطفال بأن أكثر من 250 مليون طفل في العالم يتعرضون لمخاطر ناجمة عن تشغيلهم في أعمال خطرة وأصبحت بذلك حياتهم معرضة للخطر كما تشير الإحصائيات اليمنية الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء بناء على نتائج التعداد العام في 1994 بأن هناك اكثر من 231.655 طفل عامل ينتمون للفئة العمرية 10-14 سنة نسبة الذكور (51.7 %) والإناث (48.3 %) وتشير مسوحات التشغيل في عام 1991 والتعداد العام في 1994 إلى أن ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن تنتشر وتتضاعف وان تدفق الأطفال إلى سوق العمل قد تزايد بمعدل نمو قدره (3%) خلال نفس الفترة ومن المحتمل أن يكون هذا العدد قد تضاعف عما كان عليه فإن الأرقام التي ذكرت تقل بدون شك عن الإعداد الكلية للأطفال العاملين. أنظر الجدول رقم (1) والمهن التي يزاولـها الأطفال متنوعة غير أن قطاع الزراعة والصيد يأخذ الغالبية العظمى التي تمثل حوالي (92 %) وهم من المناطق الريفية في الأساس بنسبة (96 %) أما المهن الأكثر رواجا في الحضر فهي مهن البيع والخدمات والمهن البسيطة والحرفية بنسبة (29.6 %، 17.6 % ) على التوالي من اجمالي الأطفال العاملين في الحضر.


ويعـتبر القطاع الخاص هو اكثر القـطاعات المستوعبة للأطـفال العـاملين بنسبة (98.3%) حسب نتائج تعداد عام 1994م و(1.1 %) من الأطفال في سن الخامسة عشر يعملون في الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام وهو يخالف ما نصت عليه تشريعات الخدمة المدنية التي حددت الحد الأدنى لسن العمل 18 سنة واستثنت سن 16 سنة لخريجي مراكز التدريب.
وإذا ما قمنا بتصنيف للأطفال العاملين حسب الحالة العملية لوجدنا أن هناك أطفال يعملون لدى الأسرة تقدر نسبتهم (82.9 %) من الأطفال العاملين خارج إطار الأسرة وتشكل هذه الفئة حوالي (17.1 %) وهؤلاء هم من يتعرضون لمخاطر كثيرة باعتبارهم خارج نطاق الرقابة العائلية.
وعند استعراضنا للدراسة الميدانية التي أعدها عدد من المختصين عن عمالة الأطفال بدعم من المنظمة السويدية لرعاية الطفولة علىعينة عشوائية تقدر بـ 1000 طفل عامل من سن 7-15 سنة أكدت الدراسة أن أماكن عمل الأطفال تنطوي على عدة أخطار وأن أعمالهم غالبا ما تكون مضنية وقد سجلت هذه الدراسة ارتفاعا عاليا لمعدل الإصابات بين الأطفال فنجد أن (22%) منهم يعانون من إصابات عمل مستديمة ومنها الإصابة بالتسمم وهو الأكثر شيوعا حوالي (18%) منهم وتأتي بعده الإصابة بالنار (13.6%) ثم الصدمات الكهربائية (7.2 %) وعانى الربع من امراض تعرضهم للبرد وإصيب (7%) بأمراض معدية خطيرة وحدد المسح بعض الأخطار المعينة في أماكن عمل محددة للأطفال العاملين وهي:
مواقع البناء: رفع الأحمال الثقيلة التي قد تسبب كسورا عظيمة أو إعاقة في النمو.
ورش إصلاح فرامل السيارات :- التعرض للاسبستوس (الحرير الصخري) وهو مسبب معروف للسرطان الآدمي.
محطات البترول: التعرض للبنزين وهو مسبب أخر للسرطان.
الورش ومرآب السيارات والمواقع الصناعية الأخرى: الأمراض التنفسية الناجمة عن الهواء الملوث بالغبار والدخان والأبخرة الخطيرة والمشكلات العضلية الناجمة عن إبقاء الجسم في أوضاع غير مناسبة لأوقات طويلة.
الشارع: العنف الجسدي وأشكال العنف الأخرى التعرض للبرد والأمراض المعدية السيارات وعوادمها. ووجد المسح أيضا أن كثير من أولئك الأطفال أجبروا على أداء أعمال شاقة للغاية وسجل أن النصف منهم تقريبـا قد أنهكوا أما من صعوبة العمل (11%) أو طول ساعاته (33 %) أو قلة/ عدم الاستراحة (6%).

أسباب ظاهرة عمالة الأطفال

قبل التطرق للحلول والمعالجات لأبد أن نبرز الظاهرة بشكل واقعي ونحاول أن نجمع كـل ما ورد عنها في الدراسات والمسوحات الحالية والتي تعتبر غير كافية لتشخيص هذه الظاهرة فهي بحاجة الى دراسة ميدانية تشمل جميع الاطفال العاملين في محافظات الجمهورية المينية الا اننا سنطرح الموجود وهي اسباب وعوامل اقتصادية واجتماعية متداخلة ومعقدة اهمها:
- تدني معدلات النمو الاقتصادي ومستويات الدخول والتشغيل والاستثمار بما فيه الموجه للتعليم والصحة ورعاية الطفولة واختلال توزيع الدخول بين الفئات الاجتماعية المختلفة.
- ارتفاع معدلات نمو السكان والاعالة والبطالة والتضخم وضعف شبكة الامان الاجتماعي وجهود المجتمع المدني.
- انخفاض معدلات التحاق الاطفال بالتعليم والتي لا يتجاوز (45%) من جملة السكان في الفئة العمرية 6-15 سنة بسبب الفقر في خدمات التعليم وارتفاع تسرب الاطفال من التعليم لعوامل اقتصادية واجتماعية وتربوية.
- قصور وتناقض التشريعات ذات الصلة وعدم تطبيق ما اقرتها بشان وضع الطفل وظروف عمل الاطفال.
- الفقر يعد دافعا رئيسيا لوجود الطفل في العمل خاصة اذا ما عرفنا ان الواقعون من السكان تحت خط الفقر قد بلغ حوالي (33%) حسب ما ورد في الاحصائيات الرسمية.

المعالجات والتدابير الاجرائية لظاهرة عمالة الاطفال
لن تستطيع الحكومة لوحدها من معالجة هذه الظاهرة الا في اطار الجهد التنموي المتكامل والمنظم واشراك منظمات المجتمع المدني للتخفيف منها ومواجهتها بالعديد من التدابير التي نلخصها في التالي:
- اعداد دراسات متعمقة حول ظاهرة عمالة الاطفال واسبابها ووضع برامج ومشروعات واستراتيجيات وسياسات بديلة لعمالة الاطفال.
- توفير الرعاية والحماية للاطفال العاملين وان يكون التعليم والتدريب احد المحاور الهامة لجهود الرعاية.
- اعداد اللوائح والقرارات المكملة والمنفذة لاحكام قانون العمل في مجال تنظيم عمل الاطفال ومراقبة المنشآت والاماكن التي تستخدم الاطفال خارج اطار القوانين واتخاذ الاجراءات الرادعة ضد المخالفين.
- العمل على توفير بيئة صحية وآمنة للاطفال العاملين والحد من استغلالهم في المهن الشاقة والخطيرة بصحتهم.
- تفعيل برامج شبكة الامان الاجتماعي واستهداف الفئات الفقيرة الاكثر تضررا من برنامج الاصلاح الاقتصادي.
- التوعية المجتمعية عبر وسائط الاعلام المختلفة بمخاطر عمالة الاطفال على صحتهم ونموهم النفسي والجسدي وتحصيلهم العلمي.
- تشكيل تحالفات عريضة تضم الحكومة ومنظمات اصحاب العمل والعمال لتحقيق الاهداف والغايات المرجوة لمعالجة هذه الظاهرة.

وأخلص الى القول بأن الدولة تبذل جهودا كبيرة للسيطرة والحد من هذه الظاهرة فقد تم اقرار الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية للحد من عمالة الاطفال للفترة من 2001-2003م واصبحت الان جاهزة للعمل بها كما نفذت وزارة العمل والتدريب المهني العديد من الندوات وورش العمل لتسليط الضوء على هذه الظاهرة وحددت واقع المشكلة والخطوات التي يجب القيام بها للحد منها ووقعت ايضا مذكرة تفاهم حول تنفيذ برنامج وطني لمواجهة ظاهرة عمالة الاطفال والحد منها وبهذا اصبحت اليمن عضو ضمن البرنامج الدولي لمكافحة هذه الظاهرة (الايبك).

المراجع
- وثائق الندوة الوطـنية للحد من ظاهرة عـمل الأطفال في الجمـهورية اليمنية 1997م.
- تحليل حالة الأطفال والنساء في الجمهورية اليمنية 1998م.
- تعداد عام 1994م وكتاب بالإحصاء السنوي 49م، 95م، 96م، الجهاز المركزي للإحصاء.