غزة نصر وعزة..... ومستقبل الأمة
الأحد, 18-يناير-2009
عباس عبدالرحمن حميد الدين -

في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي حالتان فريدتان من نوعهما في المواجهة والعدوان والحرب المباشرة مع العدو الصهيوني حرصت منها إسرائيل منهزمة مقهورة خائبة لم تحقق أي من الأهداف المرسومة في كلتا الحالتين الأولى ما حدث عام 2006م، على يد المقاومة اللبنانية (حزب الله) والثانية على يد المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لقد سجلت المقاومتان أنصع صور البطولة والتضحية والصمود في وجه الغطرسة والجبروت الإسرائيلي واستطاعتا أن تلقنا الكيان الصهيوني درساً لن ينساه.
نعم أنها المرة الأولى منذ نكبة عام 1948م، التي يتم فيها المواجهة المباشرة بين الفلسطينيين وجيش العدو الصهيوني ويقف فيها أبناء الشعب الفلسطيني في عزة بكافة قواه وفصائله المقاومة صفاً واحداً في صد العدوان ومواجهة الهجمة الشرسة الهمجية البربرية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، أنها محرقة وإبادة يهدف الكيان الصهيوني من ورائها إلى محو المقاومة أولاً والقضية الفلسطينية ثانياً ولكن الثبات والصلابة والتضحية وحب الشهادة دفاعاً عن الوطن والعرض والكرامة والناموس سجلت وتسجل انتصار السيف على الدم وقهرت الجيش الصهيوني وآلته العسكرية الجبارة ومنعته من تحقيق أهدافه الشيطانية في كسر إرادة الشعب الفلسطيني والقضاء على مقاومته الباسلة الشجاعة.
وها هو الأسبوع الثالث ينصرم ويدخل العدوان الإسرائيلي على عزة أسبوعه الرابع دون أن يستطيع أن يحقق أي من أهدافه المعلنة والخفية ودون أن يسجل أي انتصار ميداني بقياس الحروب المتكافئة.
إن النصر الوحيد الذي يمكن تسجيله لأعتى وأكبر جيش في الشرق الأوسط هو أنه استطاع أن يروي تراب غزة ببحر من دماء الأطفال والنساء والشيوخ وأن يمزق ويبعثر أشلاء الأبرياء والمدنيين من أبناء غزة الجريحة وأن يحول منازلها وإحيائها ومؤسساتها وبنيتها التحتية إلى ركام وأطلال، كما أنه استطاع أن يرسم الخوف والهلع على وجه الأطفال والنساء.
مجمل القول أن كل ما يخطر على بال أي إنسان من مآسي وكوارث وفضائع هذا العدوان لا يمكن أن يعطي الوصف الحقيقي للحالة التي مارسها ويمارسها الكيان الصهيوني في حق هذا الشعب الغزاوي الصامد في رقعة جغرافية بسيطة.
ومن رحم هذه المعانة وهذه المأساة ها هي بشائر النصر للمقاومة الفلسطينية تتعالى وتتضح للعيان وما لم يتمكن العدو الصهيوني من تحقيقه على الأرض بالعدوان والخراب والدمار يحاول تحقيقه بالوسائل السياسية والدبلوماسية عبر قنوات الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وبعض الأنظمة العربية ويسعى جاهداً إلى فرض إرادته وشروطه على المقاومة ولكن المقاومة ومن ورائها كل القوى الرافضة للهيمنة الأميركية والعنجهية الصهيونية شعوبا وأنظمة تتصدى وتقف بصلابة لكل محاولات التركيع والإذلال.
وبين قوى الشر والعدوان وقوى المقاومة ورفض الاحتلال نشهد مخاض واقع جديد سيفرض نفسه بحكم الوقائع وواقع الحال الذي سيئول إليه العدوان ولاشك أنه لصالح المقاومة الفلسطينية والشعب بالفلسطيني في عزة الصامدة أن الآثار والنتائج التي ستترتب على هذا الواقع الجديد سنعكس ستنعكس ليس على الواقع الفلسطيني فقط بل ستشمل وسيشمل المنطقة برمتها وأهم هذه الآثار والنتائج.
أولاً: تأكيد وتجديد نهج المقاومة فكراً و سلوكاً وفاعلية في استعادة الحقوق المسلوبة.
ثانياً: التشكيك في إستراتيجية السلام المزعومة التي طال أمدها، ومن ثم إعادة النظر في جدوى والاستمرار في هذا الطريق غير المجدي.
ثالثاً: عدم جدوى الاعتماد أو الركون على ما يسمى بالشرعية الدولية التي أظهرت انحيازاً تاماً للعدو الصهيوني وأعطته الشرعية الدولية للاستمرار في مزيد من العدوان والقتل
رابعاً: تسطرت القضية الفلسطينية من جديد واجهة الصراع العربي الإسرائيلي بعدما كادت تتحول إلى قضية إنسانية تقتصر على منظمات الغوث واللاجئين.
خامساً: كشفت عن هوه كبيرة بين توجه وخيارات الشعوب وتوجه وخيارات الأنظمة لدى أكثر من دول العالم على عربيا وإسلاميا ودوليناً.
سادساً: أعادت اللحمة إلى أبناء الشعب الفلسطيني ووجهت بوصلة الشارع الفلسطيني نحو عدوهم المشترك إسرائيل.
سابعاً: فشل الأنظمة العربية في تحمل مسئولياتها وتباين خياراتها نحو الأسلوب والآلية الممكنة لصد ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
ثامناً: فشل المخططات الأمريكية والصهيونية للمنطقة الرامية إلى تفتيت المنطقة والمشاريع المفروضة على المنطقة تحت ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وغيرها من المسميات.
تاسعاً: وحدت الشعوب العربية والإسلامية في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته بمختلف توجهاتهم الفكرية والمذهبية.
عاشراً: إذا كان أول العيث قطرة فإن بحر الدماء المسال في غزة سيكون الغيث المدرار والسيل الجرار الذي سيجرف الكيان الغاصب، ويقذف بهم إلى مزبلة التاريخ تتقاذفهم موجات الخزي والذل والخسران. 


الخاتمــــــة:
لقد افرز هذا العدوان الصهيوني الصمود الفلسطيني الغزاوي اصطفافات على مستوى الأنظمة وكشف الانحياز إلى القضية الفلسطينية والأساليب والمقاربات نحوها وتكشفت خيارات الأنظمة العربية ما بين خيار السلام وخيار المقامة وكل يرى صوابية وجدية ذلك الخيار ولكن أيهما سيحقق للشعب الفلسطيني طموحاته وأماله في دولة فلسطين مستقلة.
لا شك أن الجمع بين الخيارين هو الأسلوب الأمثل وهذا ما تجسده توجهات عدد من الأنظمة ومنها بلادنا التي ترى أن الحق المسلوب لا يمكن أن تسترد بالوسائل السليمة فقط ولكن لا بد أن يتوازى وترافق بمقاومة مسلحة على أرض الميدان خاصة وأن العدو الصهيوني لا يعرف غير لغة القوة التي شواهد التاريخ تدل على طبيعة هذا الكيان الملطخة أيديه بدماء الأبرياء وهو الأسلوب الذي يجب إتباعه من الآن فصاعداً 

خاص: معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث