الإخوان المسلمون... دع النصوص تكشفهم
الاثنين, 23-مارس-2015
إبراهيم عرفات -

الجماعة خيل لها أنها عنوان الإسلام ألم يقلها صبحى صالح عندما سئل عن الإخوان ودورهم: «إذا لم يكن الإخوان قد ظهروا لما كان هناك إسلام بالمرة»؟

عندما يكون «الإسلام السياسي» موضوعاً للنقاش فمن الطبيعى أن يكون اسم الإخوان المسلمين حاضراً. ومن الطبيعى متى حضروا أن تحضر معهم المشكلات. فالجماعة منذ تأسيسها فى 1928 وهى آلة لتفريخ جماعات الإسلام السياسى المتشددة. وهى لهذا السبب وحده تستحق اللوم. فكل أفكار التطرف الذائعة اليوم ليست إلا تطويراً لأفكار أبائها المؤسسين. لكن هناك أشياء أخرى تؤخذ عليهم. من بينها جرأتهم على النصوص الدينية.

فقد لاحظوا كم أن الناس فى بلادنا تأخذ وتؤخذ بالنصوص. ولهذا كلموهم بالنصوص. والمشكلة بالطبع ليست فى النصوص وإنما فيمن يدعى أنه والنص شيء واحد. ومع أن هذا أمر مرفوض فى الإسلام فإنه يحدث فى الواقع. نظرياً يُفترض فى المسلم أن يكون طالب علم، وأن يأخذ بالتفسير الأنسب له وليس بالذى يفرضه عليه غيره. الإمام على بن أبى طالب ومن بعده مئات من العقلاء حاولوا إقناع المسلمين بأن النص الدينى لا يمكن أن يكون له تفسير واحد وأن عليهم أن يتدبروا ما يسمعون حتى لا يسيروا كالعميان وراء رأى يدعى أنه والنص القرآنى واحد، لقد قالها كرم الله وجهه بفصاحة إبان الفتنة الكبرى: «هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق وإنما يقول به الرجال». لكن المسلمين من وقتها وأكثرهم لا يتسامح مع تعدد التفسيرات، وهو ما استغلته عبر التاريخ جماعات متشددة ادعت

أن النص الدينى لا يمكن أن يفسر بطريقتين وأنها لذلك محملة بمسؤولية تطبيق الإسلام شاء من شاء وأبى من أبى. وما الإخوان إلا واحدة من تلك الجماعات التى خيل لها أنها عنوان الإسلام الأوحد. ألم يقلها صبحى صالح صراحةً عندما سئل مرةً عن الإخوان المسلمين ودورهم فى خدمة الإسلام؟ ألم يقل «إذا لم يكن الإخوان قد ظهروا لما كان هناك إسلام بالمرة»؟

مثل هذه العقلية المنغلقة على ذاتها صعب أن تراجع فهمها أو أن تتراجع عن مواقفها. هى أشبه بنسبة سكانية مفقودة أو شريحة بشرية خرجت ولن تعود اللهم إلا القليل جداً منهم. استعادتهم ليست مضمونة. أما الأجيال الأصغر سناً من المتعاطفين مع فكرة الإسلام السياسى فحمايتهم فكرياً مسألة يجب العمل عليها حتى لا يعيد التاريخ إنتاج نفسه بكل ما فيه من مآس. ولعل طلاب الجامعة بشكل خاص فى حاجة إلى خطاب فكرى جديد وإلى طرح أكاديمى مدروس يساعدهم متى كان موضوع الإسلام السياسى على المحك أن يعيدوا النظر فى تعاطفاتهم وتصوراتهم. وقد كان الطلاب على نحو خاص شريحة مهمة أعطاها حسن البنا فى رسائله قيمة كبيرة لأنهم المنهل الذى حرصت وما زالت الجماعة تحرص على وضع اليد عليه.

وقد وجدت من واقع خبرة تدريس شيقة فى إحدى الجامعات العربية لمجموعة من طلاب الدراسات العليا أتوا من بولندا وغانا والهند وبريطانيا وتركيا وأذربيجان ومصر، وجدت كم أن أداة الإخوان فى ملاحقة الرءوس بالنصوص قد صلبت عقول بعض هؤلاء الطلاب. بعضهم لديه اقتناع تام بأن قراءة الإخوان للنص هى النص نفسه. وهو أمر حال بينهم وبين أية قراءة نقدية محايدة لفكر أو تاريخ الجماعة. فالصورة النمطية عنها لدى المجففين ذهنياً أنها «بتاعة ربنا»، ترعى النصوص ويرعاها الله، وأن العنف اتهام متقول عليها ليس إلا.

وقد جربت ثلاث معالجات على أمل تنبيه تلك العقول المجففة. حاولت أولاً تدريبهم على منهج تحليل الأحداث ليستقرئوا التاريخ كما حدث وليس كما يتمنون. بعضهم رفض والآخر بدا وكأنه يكتشف الكون من جديد. ثم لجأت ثانياً إلى المنهج المقارن لتشجيعهم على عقد مقارنات بين تلك الجماعة وجماعات العنف التى جاءت بعدها ليكتشفوا الحبل السرى الواحد الرابط بينها وجماعات مثل القاعدة أو الجهاد أو داعش. ولم يكن ذلك سيئا، لكنه لم يكن الأكثر فعالية. ثالث المناهج كان أفضلها. منهج استحضار النص. قللت الكلام وتركت الإخوان يتكلمون عن أنفسهم فوجدتهم يكشفون أنفسهم. كل ما فعلته أن تركت كلمات حسن البنا تغير صورة حسن البنا وكلمات سيد قطب تؤكد صورة سيد قطب. لست معنياً بالحكم إن كان الرجلان شهيدين أم مجرمين. هذه أمور يقررها الخالق ولا يحق لمخلوق أن يبت فيها.

لكن النص الظاهر يبقى كاشفاً. لا يدع مجالاً للشك فى عنف الآباء المؤسسين والمقدسين للجماعة. لو اختلفوا مع نظام الحكم فلا مانع عندهم من حرق البلد بأكمله. ولم تكن تعليقاتهم أو أفعالهم على هامش المؤتمر الاقتصادى أخيراً بغريبة. كانوا يأملون فى الخراب الاقتصادى لمصر، بينما كان العالم يتقدم ليساعدها كبلد وليس فقط كنظام. لكن الاخوان لا يفرقون بين النظام والشعب. لو اختلفوا مع الأول أحرقوا الآخر. والسبب أن لديهم عقلية ناقم وليست عقلية ناقد.

هذا النص مثلاً لحسن البنا من كتاب «الرسائل» احكموا بأنفسكم هل يقدم حلولاً أم يشعلها حروباً؟، هل يعكس عقلية بنائين أم عقلية هدامين؟. أقرأوه بعناية لتروا كيف أنه لم يهتم بجهاد التنمية كما اهتم بجهاد القتل. هاكم النص. «إن الأمة التى تحسن صناعة الموت يهب الله لها الحياة العزيزة، وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة». وكأن الحياة لا توهب إلا بالموت؟ ما هذا التناقض؟ نص آخر أترككم معه أيضاً للبنا فى «مذكرات الدعوة والداعية». يقول «سننتقل من خير دعوة العامة إلى خير دعوة الخاصة، ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال وسنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه وسندعوهم إلى منهاجنا ونضع بين أيديهم برامجنا وسنطالبهم بأن يسيروا بهذا البلد المسلم بل زعيم الأقطار الإسلامية فى طريق الإسلام فى جرأة لا تردد معها وفى وضوح لا لبس فيه ومن غير مواربة أو مداورة فإن الوقت لا يتسع للمداورات.

فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم وإن لجأوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير فى الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومنهج الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها....أيها الإخوان أعلن لكم هذه الخطوة على صفحات جريدتكم وأدعوكم إلى الجهاد العملى بعد الدعوة القولية»

من المؤكد أن النسبة السكانية المفقودة فى مجتمعنا لن تقبل بمثل هذا التفنيد. ستعتبره اجتزاءً واجتراحاً للنص. هذا أمر مفروغ منه. أما الشرائح المجتمعية الواسعة التى تحاول أن تتثبت، بالذات من جيل الشباب، فليس عليها إلا أن تفتح الكتب لتقرأ. فنصوص الإخوان تبقى أهم ما يكشف الإخوان.





نقلا عن موقع ميدل ايست أونلاين