تقاسم الأكاذيب
الثلاثاء, 17-مارس-2015
عثمان النمر -

عندما تبنى نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور فتح الفضاء الإلكتروني وإزالة العوائق أمام الطريق السبرانئي السريع، كان يهدف إلى أن يكون متاحاً أمام البشرية موئل ضخم لا حدود له للمعلومات والمعارف وقواعد البيانات، كثمرة من ثمار تزاوج المعلومات والاتصالات في ثورة واحدة .
كان آل غور الذي بدأ حياته صحفياً، وعاد بعد خروجه من البيت الأبيض إلى قاعات الدرس الجامعي استاذاً للصحافة، يؤمن إيماناً جازماً بأن ثورة الاتصالات والمعلومات ستعزز أن يتحول العالم إلى قرية إلكترونية واحدة تحقق شعار "عالم واحد . . أصوات متعددة" .
الكل مستفيد من ثورة الاتصالات والمعلومات، الحكومات والشركات، الأخيار والأشرار، المتخصصون والأشخاص العاديون . ومثلما لكل أداة منافعها، لها مساوئها تبعاً للهدف من استخدامها، مثل السكين أقدم اختراع بشري لا غنى لأي مطبخ عنها، والتي قد تتحول إلى سلاح قاتل .
الحكومات الرشيدة سخرت ثورة الاتصالات والمعلومات لمصلحة اقتصاد المعرفة وترقية التعليم الأكاديمي والتقني والحوكمة والشفافية وقياس اتجاهات الرأي العام، وتيسير الخدمات العامة وتعزيز التواصل التفاعلي مع المحكومين . والفوائد التي تجنيها الشركات الطموحة لا تعد ولا تحصى في مجالات التسويق والترويج وفتح أسواق جديدة . والمتخصصون يجدون منصة مفتوحة دائمة للتواصل فيما بينهم وتبادل المعارف والخبرات . والأشخاص العاديون يشبعون إحساسهم بالأهمية، بامتلاك موقع يعبر عنهم ويتواصلون عبره مع الآخرين سواء في "الفاضي أو المليان" .
في الجانب المظلم تنشط أجهزة الاستخبارات للتسلل إلى المواقع السحابية وخطوط التواصل الرقمي سهلة التخزين لاستقطار كل معلومة مفيدة عن نشاطات وأعمال وأسرار الآخرين سواء كانوا حكومات أو منظمات أو هيئات محلية ودولية، أو شركات، أو جماعات إرهابية . وقد وجدت هذه الأخيرة في الثورة التكنولوجية والمعلوماتية منصة لبث سمومها ونشر أفكارها، وتجنيد الشباب والتغرير بهم .
الدور الذي قامت به المواقع الإلكترونية في الثورات المخملية، اعتبره البعض بدءاً، اختراقاً حطم الأستار الحديدية، وعرّى أنظمة القمع والاستبداد، وحرم الإعلام الرسمي من أن يكون المصدر الوحيد للحقيقة، وأحال الإعلام التقليدي إلى التقاعد .
بيد أن تكاثر وسائل الإعلام الإلكترونية أثار إشكالية جديدة تتعلق بالصدقية والدقة والمهنية والموثوقية . وأكدت دراسة أعدها "معهد تاو سنتر للصحافة الرقمية" بجامعة كولومبيا الأمريكية، بعنوان "لايز، دامن لايز آند فايرال كونتنت"، أن وسائل الإعلام الإلكترونية تطرح أكاذيب، وأكاذيب كريهة ومحتوى ينتشر بسرعة، وبدلاً من أن تساهم في أداء دور مصدر معلومات موثوق ودقيق تحولت إلى مصدر تضليل، حتى إن وسائل الإعلام التقليدية اضطرت تحت الضغط إلى التعامل مع أخبار غير دقيقة، بل كاذبة . فسهولة الانتشار عبر الروابط تحتم التعامل مع هذه النوعية من الأخبار والمعلومات حتى لو كانت شائعات اكتسبت صدقية لتكرارها بشكل متواصل .
آل غور المسؤول الحكومي السابق وأستاذ الصحافة حالياً بالطبع لم يكن يريد عندما أطلق الطريق الفضائي المعلوماتي السريع، إلا أن يتقاسم الناس حول العالم المعرفة والحقيقة لا الأضاليل والشائعات والأكاذيب .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج .