الحوار في فكر وسلوك المؤتمر الشعبي العام
الأحد, 16-مارس-2008
عباس حميد الدين
عباس حميد الدين - عباس عبدالرحمن حميدالدين
مقدمة
بعد مرور خمسة وعشرين عاماً لقيام المؤتمر الشعبي العام التنظيم السياسي الرائد الذي مثل نبض الشارع اليمني ولايزال يمثل الأمل والمستقبل الواعد بالخير والتقدم والازدهار بما يحمله من فكر ونظريه لقضايا المجتمع والدولة في الحكم والسياسية برزت إمامي تساؤلات عديد وأنا استرجع ذكرياتي مع هذا التنظيم منذ المراحل الأولي لتأسيسه وكنت أضع هذة التساؤلات في ميزان التقييم وخلصت إلي ان المؤتمر مثله مثل أي تنظيم سياسي ليس مبراء من النواقص والعيوب خاصة إذا نظرنا إلي المسالة من منظار الأشخاص الذين قد يصاحب أدائهم التنظيمي او التنفيذي قصور او تجاوز للمهام الموكلة إليهم .إن سيرة المؤتمرناصعة ويحتذى بها على مختلف الاصعده الفكرية والتنظيمية . ولعل من اهما مسالة الحوار الذي قا م علية المؤتمر واتخذه منهجاً وسلوكا في ادبياته وممارساته التنظيمية الداخلية وعلاقاته بالاحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية والخارجية .

في البدء كان الحوار :-

لايختلف اثنان في ان المؤتمر الشعبي العام انبثقت فكرة إنشائه في الأساس لسد الفراغ السياسي القائم آنذاك خاصة وان الوطن كان يشهد صراعاً على المستوى الدخلي للشطرين من ناحية, وبينهما من ناحية أخرى,وتطور هذا الصراع الى مستوى الموجهة والاقتتال بين الإخوة نتيجة الخلاف والاختلاف في الفكر والتوجه والانتماء الحزبي والولاء السياسي .
إن البيئة السياسية المتناقضة والمتصارعة ولدت لدى القيادات السياسية التى توالت الحكم القناعة بأهمية وضرورة وجود صيغة وطنية للحكم تتفق حولها كل القوى السياسية والفاعلة في الوطن غيران الحنكة السياسية والنظرة الثاقبة والبعيدة لمستقبل العمل السياسي في اليمن والمبادرة والقدرة على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته في أطار من استخلاص التجارب والعبر من فترات الحكم السابقة قد استوعبها وتبناها ذلك الريفي البسيط الذي خبر الحياة وآمن بالحوار أسلوباً و منهاجاً في حياة الفرد بشكل عام وفي الحكم والسياسية بشكل خاص ..
لقد حمل على عاتقه هموم وأمال وتطلعات شعبه وكان همه الأول منذ توليه قيادة ومسيرة الوطن عام 1978م هو ايجاد ميثاق وطني يمثل القاسم المشترك تتفق عليه ليس فقط النخب السياسية وإنما كل قطاعات وأطياف الشعب اليمني انطلاقاً من الإدراك الواعي بان العنف والتسلط والانفراد لا يمكن ان تكون الوسائل المثلى والناجعة لحل مشكلات الوطن وإنما التفاهم واللقاء والحوار وتلاقح الأفكار هي القادرة على توليد الحلول والمعالجات .
ومن هذا المنطلق كان العزم وكانت الإرادة في ظل وضوح الهدف والغاية وبدأت ساعة الصفر وانطلق الحوار بخطى واعية ومتأ نية وفي خطوات متدرجة ومتتالية ومتصاعدة ٍ يمكن تلخيصها إيجازًا في خمس خطوات :-
الاولى :- حينما أوكل الاخ الرئيس في أواخر عام 1978م إلى لجنة من المفكرين والعلماء والمثقفين من داخل مجلس الشعب التأسيس وخارجه مهمة وضع مسودة أولية لمشروع الميثاق الوطني .

الثانية :- تمثلت في عرض مسودة المشروع على الاجتماع الموسع لمجلس الوزراء والقيادات العسكرية والمحافطين والهئية العليا للاتحاد العام للتعاون الأهلي للتطوير .

الثالثة :- تجسدت في تشكيل لجنة الحوار الوطني من (50) عضوا يمثلون مختلف الاتجاهات والانتماءت السياسية والفكرية أمضت اللجنة أكثر من عامين في النقاش المستفيض والحوار الواعي والمعمق والجدل الواسع حتى توصلت الى صياغة مشروع مسودة الميثاق الوطني .

الرابعة :- اقتضت الانتقال إلى مشاركة الشعب بآرائه من خلال تقسيم الجماهير إلى مؤتمرات مصغرة عمت جميع الوطن انعقدت على مدى أسبوعين للاستفتاء على مسودة مشروع الميثاف الوطني، وعلى ضوء الملاحظات والتعديلات المقدمة تم إعادة صياغة المسودة في صورتها النهائية رفعت للأخ الرئيس في 4\10\1981م

الخامسة :- كانت تتويجاً لجهد السنوات الأربع بقيام وانعقاد المؤتمر الشعبي العام في الفترة 24-29- أغسطس 1982م الذي اقر الميثاق الوطني في صيغته النهائية واقر في نفس الوقت استمرارية المؤتمر .

محطات حوارية:-

لقد تمكن المؤتمر الشعبي العام من بناء تجربة وطنية متطورة ، قاد باقتدار بفضل نهجه الحواري مسيرة العمل السياسي والبناء والتنمية قبل الوحدة أولا وبعدها في ظل التعددية السياسية ثانياً ،واستطاع ان يستولد من رحم الحوار انجازات سياسية وديمقراطية واقتصادية في مجالات متعددة مثلت محطات بارزة وناصعة في مسيرة المؤتمر خلال عقدين ونصف من عمره التنظيمي والسياسي، يمكن ايجاز أبرزها على النحو التالي :-

اولاً :- يتمتع المؤتمر برصيد فكري وثراء معرفى تجسد ذلك في وثيقة الميثاق الوطني الدليل الفكري والنظري للمؤتمر الشعبي العام وبرامج العمل السياسي، والعديد من الأدبيات الفكرية والثقافية والاقتصادية والإدارية التي تمثل مرجعاً للباحثين والدارسين .

ثانياً:- يحسب للمؤتمر انه اول من فتح المجال واسعا امام الجماهير للتعبير عن أرائهم وممارسة النقد البناء بهدف تصحيح الاوضاع ومعالجة السلبيات والمشاركة في النهوض بالبلد، من خلال ندوات التوعية السياسية التى كانت تمثل منبراً سياسياً أسبوعياً يقام في مختلف الدوائر الحكومية والتكوينات الشعبية .

ثالثاً :- كسر المؤتمر القيد المفروض على ممارسة العمل السياسي والحزبي وأخرج الأفكار المكبوتة والممارسات السرية للأحزاب والتيارات السياسية، إلى الممارسات العلنية في ظل مظلة المؤتمر، ووصل الأمر بفضل جهود وخطوات المؤتمر إلى التعددية السياسية والحزبية في ظل دولة الوحدة المباركة .

رابعاً :- ترسيخ وتعميق الممارسة الديمقراطية وتعزيز المشاركة الشعبية على ارض الواقع قولاً وفعلاً، من خلال الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية في مواعيدها المحددة، وضمان حق كل مواطن في المشاركة ناخباً ومرشحاً للرجل والمرأة على حد سواء وفتح المجال واسعاً أمام إنشاء الأطر النقابية والمنظمات الجماهيرية وتشجيعها ودعمها من اجل المشاركة في البناء التنموي والديمقراطي .

خامساً :- جاءت الوحدة اليمنية المباركة ثمرة جهود حوارية طويلة مارسها المؤتمر مع مختلف القيادات السياسية في الشطر الجنوبي سابقاً مصحوبة بعزم وإرادة القيادة السياسية للمؤتمر، وبعد الوحدة المباركة اعتمد المؤتمر منهج الحوار مع شركائه في السلطة في بناء مؤسسات وسلطات دولة الوحدة .

سادسا :- شكل الحوار عنصراً جوهريا في عملية الأصلاح الاقتصادي والمالي والاداري الذي تبناه المؤتمر وبدأ بتنفيذه مع شركائه في السلطة في ظل دولة الوحدة .

سابعاً :- على الصعيد الخارجي انتهج المؤتمر سياسة خارجية تتجه صوب تكريس مكانة مرموقة لليمن كشريك اقليمي فاعل، وتدعيم مكانة اليمن في حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي والتفاعل المباشر والمستمر مع القضايا والاحداث بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة تلبي استحقاقات الوضع الدولي والإقليمي وتعقيداته، التى تتطلب اعتماد منهج الاعتدال والوسطية والحوار مع الأخر وقبوله، والالتقاء على أرضية مشتركة للتعايش السلمي والبحث عن أجوبة تفصيلة للقضايا والهموم والتحديات.
وجسد المؤتمر انصع صوره لهذا النهج في مسألة حل قضايا الحدود مع الدول المجاورة بالحوار المباشر مع السعودية وعمان وبالحوار غير المباشر عبر التحكيم مع دولة ارتيريا .

ثامناً :- مارس المؤتمر الحوار حتى مع أولئك الخارجين عن النظام والقانون والمغرر بهم والذين مارسوا أعمالا ً إرهابية ضد الوطن من منطلق انه يمكن ان يتحقق بالحوار ما لا يمكن تحقيقه بالوسائل الأخرى .

تاسعاً :- كان الحوار ولازال هو السمة البارزة والاسلوب المتحكم والموجه لسلوك المؤتمر في علاقته مع الأحزاب السياسية المعارضة تجاه مختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطن .

التحديات وأفاق المستقبل :-

إن النجاحات التى حققها المؤتمر الشعبي العام كبيرة وهامة وغطت انجازاته جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها من مجالات الحياة وأهمها الأمن والاستقرار والمحافظة على وحدة الوطن، ومع ذلك فإن المؤتمر لايزال أمامه العديد من التحديات والعقبات التى تعتور مسيرته، بل أن البعض منها قد يصل إلى درجة التهديد لأمن واستقرار الوطن ومسيرته الديمقراطية والتنموية، ومنها مشكلة الإرهاب والمشكلة الاقتصادية، وهذا يتطلب من المؤتمر ان يقف بحزم ومسئولية أمام تلك التحديات والعمل على معالجتها بصورة جادة وحاسمة في إطار التمسك بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها الدفاع عن الثورة والجمهورية والالتزام بالدستور والقانون، وترسيخ دولة النظام والقانون، واحترام حقوق الانسان وضمان الحريات العامة والخاصة، ويظل الحوار أولاً وأخيراً هو الخيار الأمثل والسلوك الأقوم .