عقيدة الكرملين الجديدة
الاثنين, 29-ديسمبر-2014
يونس السيد -


رفعت روسيا درجة التصعيد مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلى مراحل متقدمة وخطيرة، في أسوأ مواجهة بين الجانبين منذ انتهاء الحرب الباردة، بعدما تبنت عقيدة عسكرية جديدة، اعتبرت فيها أن الحلف يمثل تهديداً جدياً لها، ويعد واحداً من الأخطار الخارجية الرئيسية التي يجب مواجهتها في نطاق الاستراتيجية الدفاعية المعتمدة لحماية حدودها ومصالحها الحيوية .
يأتي هذا التصعيد من جانب الكرملين بعد أيام قليلة من اتخاذ كييف خطوات تمهيدية جديدة لانضمامها إلى حلف "الناتو" تمثلت في قرار البرلمان الأوكراني بإنهاء حالة الحياد، ما أثار غضب موسكو ودفعها لاتهام الحلف باستغلال الأزمة الأوكرانية لتبرير استعداداته العسكرية قرب الحدود الروسية، وتحويل أوكرانيا إلى ساحة مواجهة جديدة، والتهديد بقطع كل صلاتها مع الحلف .
تقوم العقيدة العسكرية الروسية الجديدة التي وقّعها الرئيس فلاديمير بوتين يوم الجمعة الماضي، على شقين أساسيين يمكن اعتبارهما إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في العلاقة مع الغرب، وهما أولوية الأخطار التي بات يمثلها حلف الأطلسي، مع تأكيد حق موسكو في استخدام القوة النووية ل "الأغراض الدفاعية"، وخطر الإرهاب الداخلي الذي أضيف إلى التحديات الجديدة .
كما أدرجت، للمرة الأولى، بين مهام القوات العسكرية في زمن السلم "تأمين المصالح الوطنية في القطب الشمالي" . وتضمنت العقيدة الجديدة "14 خطراً عسكرياً خارجياً أساسياً"، بما في ذلك نشاطات أجهزة الاستخبارات والمنظمات الأجنبية المخرّبة، والتهديدات المتصاعدة للتطرّف والإرهاب، وانتشار الأسلحة . وأولت أهمية فائقة لنظام "الضربة العالمية الفورية" الأمريكي، والذي يهدف إلى توجيه ضربة عسكرية تقليدية دقيقة في أي مكان في العالم خلال ساعة واحدة . وهو مفهوم يأتي ترتيبه في المركز الثالث، بعد الأسلحة غير التقليدية وجنباً إلى جنب مع الدرع الصاروخية لأوروبا، والتي طالما اعتبرتها موسكو بمثابة تهديد للتوازن الاستراتيجي في القارة . وتلتزم روسيا بموجب هذه العقيدة بتعزيز دفاعاتها الصاروخية، وتطوير المكونات القادرة على حمل رؤوس نووية، وأنظمة الصواريخ، والغواصات النووية المزوّدة بصواريخ باليستية وقاذفات استراتيجية .
ومع أنها اعتبرت أنّ احتمال اندلاع حرب واسعة ضد روسيا قد تراجع، رغم تصاعد الأخطار العسكرية في بعض المناطق، إلا أنها رصدت تغيّرات في طبيعة هذه الأخطار والتهديدات، وميلاً إلى تصاعدها في فضاء المعلومات، وفي المجال الداخلي الروسي .
والواقع أن خطورة الخطوة الروسية تكمن في كونها تنقل العلاقة التي نشأت عقب انتهاء الحرب الباردة مع حلف "الناتو" من مرحلة التعاون إلى مرحلة العداء، ففي الوقت الذي اعتبر فيه المتحدث باسم "الناتو" أن الحلف لا يمثل تهديداً لروسيا واتهمها بانتهاك القوانين الدولية، خصوصاً في أوكرانيا، ردت موسكو بأن الحلف يسعى لإعطاء وجوده العسكري قرب حدودها أساساً أيديولوجياً، وانه بدأ يتحدث عن إيجاد ساحة جديدة لتعزيز إمكاناته بعد انسحابه من أفغانستان قبل الأحداث الأوكرانية بكثير، معتبرة أن هذا التوجه يبرر قلق موسكو المشروع، بعدما أصبح شمال شرق أوروبا ودول البلطيق وبولندا في صلب اهتمامات "الناتو"، وتحوّل البحر الأسود إلى ساحة وجود عسكري دائم لدول لا تنتمي إلى المنطقة برمتها .