مبادرة اليمن والحرص الدائم على القضية الفلسطينية
الأحد, 02-مارس-2008
القضية الفلسطينية
أحمد محمد الشرعبي -
تلقفت الساحة الفلسطينية المبادرة اليمنية الثانية بقدر من القبول يتفاوت بين حركتي فتح وحماس المختلفتين على مقادير السلطة، بعد أن صارت منذ عام حجز الزاوية في مشاريع لاقتتال فلسطيني يصب في في خانة الأمان لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
من جهته الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعلن قبولها التام بدون شروط بمبادرة الرئيس علي عبدالله صالح بعد لقاءه الأول بالرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة، وذلك القبول الفتحاوي بالمبادرة سبقه رفض لها في أغسطس 2007م بدواعي أنها اقتصرت على وجهة نظر حماس، ووقتها قال ياسر عبد ربه معبراً عن رد فتح بأن الحوار خارج الوطن غير ممكن.
فيما حماس التي كانت قابلة للمبادرة الأولى، إلى ما يشبه قدر من التحفظ الجزئي أو الاستفسار على البند الأول من المبادرة الذي أصرت عليه فتح وهو عودة كافة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما قبل السيطرة الحمساوية.
عموماً المبادرة المقبولة التي أعلنها الرئيس اليمني مكونة من سبعة نقاط، تدور حول إعادة الأوضاع إلى تاريخ 13 يونيو 2007م عند حدوث الاشتباكات الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية وحماس، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية من جديد بحيث تكون خاضعة للسلطة الفلسطينية الرئاسية المنتخبة وللحكومة التشريعية المنتخبة، وعلى أن يلتزم بالشرعية الفلسطينية بكل مكوناتها مترافقة مع احترام القانون الفلسطيني، وعلى أن تبنى أيضاً الأجهزة والمؤسسات الفلسطينية بحيث تكون تابعة للهيئات والسلطات العليا.
وقد جعلت المبادرة من استمرار الحوار بين الطرفين أساساً يرتكز على قاعدة اتفاق القاهرة 2005 واتفاق مكة 2007م، ويترافق مع استقرار وهدوء الأوضاع بين الطرفين إجراء انتخابات مبكرة، خاصة أن المبادرة الأخيرة قد وصفها عباس أبو مازن الذي تسلمها من الرئيس عند زيارته الأخيرة لصنعاء، بأن فتح ترى فيها الحل المقبول والمطلوب وفق الانحياز للشعب الفلسطيني، وهي تنسجم مع مبادرة الجامعة العربية وهي تعبر عن الجو العربي والإسلامي العام.
ويعتقد بأن المبادرة محاولة أخيرة لإنقاذ مرحلة التصفية التي يراد للقضية الفلسطينية برمتها والتي تبدأ بتصفية القضية، وفقاً لأمور، تبدأ بإرهاق الشارع وتجويعه، والقفز بمشروع المقاومة التي تصر عليه مجمل الفصائل الفلسطينية منها حماس التي راهنت على إمارة غزة التي تتجه إلى التقويض بدءاً بالخنق جوعاً ثم بالقصف العسكري.
و بالعودة إلى تواريخ مشتركة بين اليمن والقضية الفلسطينية نجد أن القيادة السياسية منذ الوهلة الأولى من تسلمها للسلطة، قالت في كلمة أمام مجلس الشعب التأسيسي بأغسطس 78م "نحن مع الشعب الفلسطيني بكل مانستطيع وتحت أي طارئ"، ولذا فدعم قضية الشعب الفلسطيني هي مربط الفرس في إستراتيجية اليمن حيال الصراع العربي الإسرائيلي، وفق منظور واحد لا يتغير لتعامل مع جميع الفصائل الفلسطينية، هو توحيد صفها وفوهة بندقيتها لتكون في وجه المحتل، ليس للاقتتال الفلسطيني.. وتبعاً لهذه المصلحة الفلسطينية عارضت اليمن اتفاقية كامب ديفيد كون جميع الفصائل أيضاً عارضته حينها.
وكون الاتفاقية جعلت من الاحتلال الإسرائيلي يتفرغ للمقاومة الفلسطينية والتخطيط لإنهائها تماماً، فعمد وزير الدفاع شارون إلى اجتياح لبنان ومن ثم إشرافه وتخطيطه على ارتكاب مجازر وفظائع، منها إشرافه على مجزرة مهولة بمخيم صبر وشاتيلا، حينذاك لم تقتصر ردة فعل الرئيس صالح فقط بإلغاء احتفالات صنعاء بثورة 26 سبتمبر وإطلاق اسم ياسر عرفات على الدفعة التي تخرجت من كلية الشرطة ومعهد أمناء الشرطة في أكتوبر 82م، ومجرد تقديمه لمبادرة متفردة 1982م تعلن منح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية صفة الدبلوماسية الكاملة، بل أعلن صراحة عن فتح الباب أمام المتطوعين من أبناء الشعب اليمني للانخراط في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية للوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين ضد مخططات شارون الاجتياحية للبنان لاستئصال شأفة المقاومة، وبالطبع خرج الناس أفواجاً من المؤسسات الرسمية والشعبية ملبين لنداء العقيدة والكرامة، فوصلت ستة أفواج من اليمنيين المتطوعين للقتال في لبنان، وبالفعل أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية في العام 82م أن اليمن هو القطر الوحيد الذي ساهم في المعركة المصيرية ضد اعتداءات الكيان الصهيوني على لبنان والثورة الفلسطينية.
إلى ذلك حرص الرئيس على أن تستضيف صنعاء المجلس العسكري الفلسطيني في 11 أغسطس 83م مراعاة للمرحلة الحرجة التي اكتنفت المقاومة الفلسطينية –حينها- عملاً على وحدة الصف الفلسطيني حيال ما يراد له من استهداف، ولم تكن القيادة السياسية تلقي بالاً لمخاوف من تلقي معسكرات المقاومة الفلسطينية في اليمن وبالأخص الشمالي لضربات بالطائرات كما حصل في تونس عندما قصفت مقر منظمة التحرير الفلسطينية وقتل 68 فلسطينياً وتناقل وسائل الإعلام الغربية إلى احتمال انتقال الضربات إلى عواصم عربية أخرى من ضمنها اليمن، فقد منحت تسهيلات لمنظمة التحرير الفلسطينية لتقيم معسكراتها في الجزر اليمنية.
ومنذ طفحت على السطح الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية وتطورت إلى اغتيالات حتى بين صفوف حركة فتح، اشترك الأخ الرئيس في جهود توفيقية مع بعض القيادات العربية في مساع تهدف لحل خلافات الفصائل الفلسطينية لكي تواصل صمودها ولا تذعن للتآمرات التي تريد استئصال قضيتها لصالح الاحتلال الصهيوني، وقد سبقها إسداءه للنصح للقادة الفلسطينيين في 11 ديسمبر 82م بأن يتجنبوا خلافاتهم في صعيد هدف أسمى يوحدون فيه جهودهم.
ومروراً بيوم 31 ابريل 1987م في الجزائر عندما خرجت الفصائل الفلسطينية باتفاق موحد وحتى العام 88م الذي بدأت فيه إرهاصات لاتفاقيات سلام مع الاحتلال فخشي حينها أن يفضي ذلك إلى اقتتال فلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية ذاتها، فاقترحت حماس على الرئيس علي عبدالله صالح أن تتبنى اليمن عقد مؤتمر للحوار بين الفصائل الفلسطينية، فرحب الرئيس بذلك كثيراً لكي يتم دفع ماهو أعظم عن فلسطين والذي يتجسد بتقاتل أبناءها.
وعليه تم بصنعاء في نوفمبر 2000م التفاهم مع وفد حماس برئاسة خالد مشعل على تدبير لقاء مع عرفات في الدوحة، وبالفعل تم تدبير اللقاء على هامش فعاليات المؤتمر الإسلامي بالدوحة في نوفمبر 2000م وتحديداً في 13 نوفمبر منه، حيث اتفق الطرفان (السلطة الفلسطينية وحماس) على التصالح بعد اجتماع الرئيس صالح برئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات وخالد مشعل.. وواضح أن هذا من الأدلة العملية على مدى القبول والحضور للقيادة اليمنية لدى الفصائل الفلسطينية .
وفي ذات الجهود التي تبغي دعم المقاومة الفلسطينية تبرعت اليمن بمبلغ 10 مليون دولار لدعم الانتفاضة والأقصى في نوفمبر 2000م، والتي انسجمت مع مقررات القمة العربية في أكتوبر 2000م المنعقدة في القاهرة.
ولطالما كرر الرئيس علي عبدالله صالح على الولايات المتحدة الأمريكية حليف الاحتلال الإسرائيلي الأول نداءاته بعدم الإضرار بحقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته عندما تتعصب لإسرائيل برفعها لحق الفيتو الذي يجهض كل المشاريع العربية المريدة للحق الفلسطيني ومن ضمنها إصدار قرار من الأمم المتحدة بإرسال قوات دولية لتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني من آلة القتل والذبح الإسرائيلية، ولطالما عرض عليها مراجعة حساباتها، لأن الاحتلال الإسرائيلي يبدد كل مجالات السلم في المنطقة ويسعى دوماً إلى حروب لا تنتهي، وشرح الرئيس رؤيته للقضية حين استقبل السفيرة الأمريكية في الحادي والعشرين من نوفمبر 2000 على ضرورة أن توجد جهود حقيقية تجنب المنطقة العربية المزيد من الاحتقان.
تلك المجريات والأحداث كانت وفق أجندات ماضية، غير أن الأمر في هذه المرة يختلف جذرياً، فالقضية الفلسطينية يريد الاحتلال الإسرائيلي والقوى الاستعمارية تصفيتها نهائياً، بدءاً بمخطط الجنرال الأمريكي دايتون الذي سعي لجز رقبة الفلسطينيين والمقاومة بأيدي أبنائها عندما يتقاتلون لأجل سلطة، رغم أنها لا زالت تحت حراب المحتل، أو بالتخطيط لتشظي الفلسطينيين بحيث تستوعب مصر غزة و تضم الأردن الضفة الغربية، وذلك بعد أن تصل الأمور بين فتح وحماس المنقسمتين الأولى في فتح والأخيرة في غزة إلى حافة الهاوية..

احمد محمد الشرعبي
[email protected]