غزة .. من الحصار إلى الانتصار
السبت, 03-يناير-2009
سقاف عمر السقاف -

استشعر كل الذين أزعجهم بل أغضبهم فوز حماس في الانتخابات التشريعية مطلع العام 2006 خطر أن تغادر الإدارة الأميركية الحالية الأكثر دموية ووحشية بين كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، البيت الأبيض وحماس ما زالت تحكم قطاع غزة، ومبعث هذا الشعور بالخطر يعود إلى ظهور بوادر تغيّر في المشهد السياسي الإقليمي والدولي مع قدوم إدارة أميركية جديدة يفترض بها، حسب برنامجها الانتخابي، أن تعمل على المستويين الداخلي والخارجي من أجل تغيير صورة أميركا السيئة التي خلفتها إدارة بوش الابن. ومن هذه الزاوية، ربما ترفض الإدارة الجديدة برئاسة باراك أوباما أن تصبغ بداية عهدها بلون الدم، أضف إلى ذلك أن هناك بوادر حوار وانفتاح أوربي - أميركي على سورية واتصالات مع إيران؛ كل ذلك جعل القوى والأطراف المحلية (السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة أبو مازن)، والأطراف الإقليمية (وتحديداً ما يسمى محور الاعتدال العربي)، والأطراف الدولية (أميركا ومعظم دول الاتحاد الأوربي) تَشعُر بأن فرص تغيير الواقع الفلسطيني، ومعاقبة حماس على انقلابها على السلطة والرئيس أبو مازن المدعوم إقليمياً ودولياً واستفرادها بالحكم في قطاع غزة، باتت تتضاءل أمام مشهد التحولات السياسية والإقليمية والدولية.
من هنا بدا أن هناك مصلحة مشتركة بين هذه الأطراف اقتضت نوعاً من التوافق والتنسيق بهدف استغلال ما تبقّى من فترة الرئيس بوش لإطباق الخناق على قطاع غزة، واستكمال الحصار الاقتصادي بعمليات عسكرية تُضعف حركة حماس وتخلخلها من الداخل، ومن ثمّ إجبارها على الاستسلام والقبول بتسوية وفقاً لشروط المنتصر الإسرائيلي.
والواقع أن لدى كل من تلك الأطراف ثأر عند "حماس" تريد تصفيته في هذه اللحظة، التي تبدو في نظرهم مواتية وذلك بعد أن أعلنت "حماس" إنهاء التهدئة مع إسرائيل في 19 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. فإسرائيل تسعى من وراء هذه العمليات العسكرية إلى تركيع قطاع غزة وإذلال "حماس" والفصائل المقاومة الأخرى والشعب الذي آزرها طوال فترة الحصار، وبالتالي دفع الفلسطينيين إلى الإحباط واليأس وربما الانتفاضة ورفض حكم وسياسات "حماس" في غزة، فضلاً عن ذلك تطمح إسرائيل من وراء هذه العمليات إلى استعادة قوة الردع والهيبة المكسورة للجيش الإسرائيلي من جراء حرب تموز/ يوليو 2006 في لبنان، وإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حماس، جلعاد شاليط، ومن ثم استثمار النصر العسكري - إن حصل - في قطاع غزة من قِبل القيادات السياسية الإسرائيلية في الانتخابات المزمع إقامتها في شباط/ فبراير 2009.
بدورها ترغب السلطة الفلسطينية برئاسية محمود عباس، المشارفة ولايته الرئاسية على الانتهاء، في استعادة نفوذها على قطاع غزة "المتمرد"، والعودة بالأوضاع إلى ما قبل "انقلاب" حماس في 15 حزيران/ يونيو 2007.
أما محور "الاعتدال" العربي بقيادة مصر فهو ما يزال يرى نفسه في صراعٍ دائم ومستمر مع المحور المقابل والمسمى بمحور "الممانعة"، وبما أن "حماس" جزء من هذا المحور، وهي تتلقى الدعم من كلٍ من إيران وسوريا وحزب الله، فعليها دفع ثمن انخراطها في هذا المحور وكذلك ثمن رفضها حضور "حوار القاهرة" الذي دعت إليه القيادة المصرية مؤخراً.
وفي اتجاه موازٍ، من الواضح أن الإدارة الأميركية الحالية لديها هي الأخرى ثأر مع "حماس" ومع كل قوى الممانعة التي عطّلت المشروع الأميركي في المنطقة، لذا فهي تريد، في نهاية عهدها، أن تثأر عبر إسرائيل وآلتها العسكرية الباطشة من أحد رموز الممانعة في المنطقة، وذلك بعد أن خسرت جميع معاركها في الجبهات اللبنانية والسورية والإيرانية.
إذاً من الواضح أن كل تلك الأطراف كان لديها مصلحة مشتركة في تلقين حركة "حماس"، والقوى التي تقف من خلفها، درساً، وإيصال رسالة بأن المعركة مازالت مستمرة وأنهم قادرون على المبادرة والمهاجمة في اللحظة التي يحددونها. لكن السؤال الأهم هنا: هل تستطيع هذه الأطراف أن تحقق أهدافها من خلال هذه العمليات العسكرية؟ وبالمقابل هل ستتمكن "حماس" وقوى الممانعة الأخرى من امتصاص ومقاومة هذه العمليات العسكرية والخروج منها بشكل أقوى؟
تشير الأحداث حتى هذه اللحظة إلى أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم جرائم الحرب والمذابح اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني ما يزال صامداً وصابراً كعهده، بل إن صواريخ المقاومة ما زالت تنهمر على المدن والمستعمرات اليهودية.
إن الصمود الذي يبديه أبناء الشعب الفلسطيني كفيل بأن يقلب المعادلة، وهذا ما اتضح من خلال الهبّة الشعبية العارمة في العالمين العربي والإسلامي، والتي تضغط بقوة على كل من يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا العدوان البربري على قطاع غزة، وهذا ما دعا بعض هذه الأطراف إلى مطالبة إسرائيل بوقف العمليات العسكرية لأن ارتداداتها العكسية باتت تهدد أمن واستقرار هذه البلدان، أضف إلى ذلك هناك تحركات دولية تهدف إلى وقف العدوان، خصوصاً وأن إسرائيل لم تتمكن بعد من إنهاء المهمة.
وأخيراً لابد من القول أن مثل هذه الأحداث والمجازر التي تقوم بها إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني متوقعة في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي والانقسام العربي- العربي في الرؤى والمواقف تجاه القضايا المصيرية كافة التي تهم الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لذا يجب على الفلسطينيين والعرب اليوم أن يستغلوا أحداث غزة من أجل الوحدة ورصّ الصفوف في مواجهة العدوان الذي يستهدف الجميع ولا يوفِّر أحداً. فاليوم غزة وغداً بقية الأقطار العربية، وعليه فإن هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق النظام الرسمي العربي من أجل الوقوف مع الشعب الفلسطيني، وعلى الدول العربية أن تترك خلافاتها جانباً وأن ترتقي بالقضية الفلسطينية فوق مستوى التجاذبات والصراعات السخيفة؛ فالمعادلة الصحيحة التي يجب أن يعلمها القريب قبل البعيد، والصديق قبل العدو، أن إرادة الشعوب في الحياة والدفاع عن نفسها من أجل العزة والكرامة لابد أن تنتصر مهما كانت موازين القوة المادية في غير صالحها، وهذه المعادلة يثبتها يومياً أبناء الشعب الفلسطيني بدمائهم الزكية ومقاومتهم الباسلة.