كذبة التعايش مع جماعات الإسلام السياسي
الأربعاء, 03-ديسمبر-2014
فاروق يوسف -


هل كان الشيوعيون العراقيون قد أوهموا أنفسهم بإمكانية أن يكونوا مرضيا عنهم إن هم تواطأوا بالصمت أو بالأفعال مع الأحزاب والجماعات الدينية التي تصدرت المشهد السياسي في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003؟

كان هناك نوع من النفاق السياسي في سلوكهم تمت تغطيته بشعارات بائسة تدعو إلى التهدئة من أجل الوصول إلى هدف المشاركة في العملية السياسية، ومن ثم تفويت الفرصة على الإسلاميين للانفراد بالسلطة. لذلك لجأ الشيوعيون إلى خيار اعتبروه عمليا، حين سعوا إلى نيل اعتراف الإسلاميين بهم من خلال ما أسموه بانتهاز الفرصة. لم يرد في خاطرهم أن الطرف الآخر الذي اعتبروه ساذجا وغير ملم بدهاء السياسة، كان أكثر انتهازية منهم، من جهة سعيه إلى السلطة المطلقة.

فعلى سبيل المثال وفي سياق هذا الأسلوب الانتهازي المفضوح، كان الحزب الشيوعي العراقي حريصا على المشاركة في مواكب العزاء الحسيني التي تقام في العشر الأوائل من شهر محرم كل سنة. وهو ما جعله موضعا للتندر والسخرية من قبل الإسلاميين أنفسهم. كما هو متوقع انتهت مغامرة الشيوعيين بالفشل، وهو فشل واجهته كل الجماعات السياسية التي غامرت بمستقبلها السياسي حين ارتضت لنفسها أن تنجرّ وراء كذبة التعايش مع قوى وجماعات الإسلام السياسي.

وهو الدرس الذي تعلمته جيدا القوى السياسية المصرية حين نأت بنفسها عن حكم جماعة الإخوان، وتركوها تستعرض مآثرها في محاولة تدمير النسيج الاجتماعي المصري علنا من غير أن يوفروا لها غطاء وطنيا.

كان ذلك الموقف حكيما وهو الذي أدى إلى التسريع بنهاية الحقبة المظلمة التي قدر لمصر أن تمر بها في ظل حكم الإخوان. وهي حقبة كانت بمثابة استحقاق تاريخي، لم يكن تأجيله أو الإفلات منه ممكنا.

لقد منح الشعب المصري جماعة الإخوان فرصتها التاريخية في الحكم، من غير أن تكون تلك المنحة سببا في وقوع القوى السياسية المتنورة في سوء فهم يضعها في موقع المتآمر على حقيقة ما كان الشعب المصري يتطلع إليه من خلال التغيير.

كانت القوى السياسية المصرية صادقة مع نفسها ومع جماهيرها حين امتنعت عن دعم حكم الإخوان، وهي تعرف أن ذلك الحكم لن يقود إلا إلى الاستبداد.

وإذا ما كان شيوعيو العراق قد أذلوا جماهيرهم حين ارتضوا التواطؤ مع جماعات الإسلام السياسي، فإن قيادتهم كشفت من خلال سلوكها الانتهازي عن نهج نفعي لم يصل إلى نتائجه المرجوة.

لقد قدم سكرتير الحزب الشيوعي العراقي نفسه باعتباره شيعيا، فماذا كانت النتيجة؟ لم تنطل الكذبة على أتباع الأحزاب الشيعية فمحوا اسمه من قوائمهم الانتخابية.

لقد استبق الشيوعيون كذبة شيعيتهم الملفّقة بكذبة التعايش مع جماعات الإسلام السياسي، وهي الكذبة التي أشاعوها بين أنصارهم واتضح أن لا مجال لها على أرض الواقع. ذلك لأن حملة راية الإسلام السياسي، متشددين كانوا أم معتدلين، لا يروق لهم أن يشاركهم أحد في حكم المجتمع.

من وجهة نظرهم فإن خبرتهم في الشؤون الدينية تسمح لهم في أن يكونوا ممثلي الله على الأرض، وهو ما يعني انتفاء الحاجة إلى أي فكر يناقض فكرهم أو يقف إلى جواره. فالحكم لله وهم وحدهم المؤهلون لتصريف تلك الجملة الغامضة أرضيا.

وكما أرى فإن التزام فكرة التعايش مع جماعات الإسلام السياسي هو نوع من الخيانة. فيها من الابتذال والخسة والنذالة وغياب الوازع الأخلاقي الشيء الكثير.

كان أبو بكر البغدادي واضحا في تحديد هدفه: دولة الخلافة الإسلامية. ألا يمكن أن يكون ظهور البغدادي، الذي لم يكن محسوبا، فضيحة للقوى السياسية التي راهنت على أن يقع التغيير على أيدي قوى وجماعات الإسلام السياسي؟


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.