غزة..والصمت العربي
السبت, 03-يناير-2009
كلمة الثورة - يدخل العدوان الغاشم الذي تشنه آلة الحرب الاسرائيلية ضد الأبرياء والعُزل من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة - اليوم- اسبوعه الثاني وسط صمت دولي مريب وعجز عربي فاضح وصمت أممي مخجل.
ولم يكن لهذا العدوان الهمجي والبربري وحرب الإبادة التي تقترفها اسرائيل بدم بارد بحق شعب أعزل من السلاح يئن من ويلات الحصار وجور الاحتلال ليحدث ويستمر ويتواصل بتلك الصورة من الإجرام لو أن اسرائيل وجدت من يردعها ويوقفها عند حدها.
بل على العكس من ذلك فإن ما جرى ويجري من تعامل مع هذه الجريمة البشعة قد وفر الغطاء إن لم يكن الضوء الأخضر أمام إسرائيل للمضي في تنفيذ مخططها البشع وارتكاب مجزرة العصر، الأمر الذي يظهر معه مؤشرات حقيقية على أن المجتمع الدولي بات يبني مواقفه على قاعدة من النفاق وازدواجية المعايير وليس على منظومة من القيم الأخلاقية وما ورد في المواثيق العالمية حيال ما يتصل بالدفاع عن قضايا الحق والعدل واحترام حقوق الإنسان.
وهو ما يمكن ملامسته في موقف بعض الدول الكبرى التي عمدت إلى المساواة بين السفاح والضحية.
وإمعاناً في النفاق فإن هذه الدول التي يعول عليها حفظ عوامل الأمن والاستقرار الدوليين ونصرة المضطهدين والمقهورين صارت تعمل على مدار الساعة في تغطية وتبرير العدوان والدفاع عنه مما يقدم الدليل القاطع على أن إسرائيل صارت "استثناء" من سائر دول العالم لا تنطبق عليها القرارات الدولية ولا يجوز حتى أن تمس بلوم أو عتاب حتى ولو أبادت جيوشها المدججة بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة الشعب الفلسطيني بأكمله.
وفي هذا الشأن فليس بجديد القول أنه لم يكن لمجلس الأمن أو أي من الدول الكبرى إظهار مثل ذلك الانحياز إلى جانب إسرائيل لو أن العرب في وضع أحسن حالاً مما هم عليه اليوم من تشرذم وضعف وهوان، بعد أن فقدوا أي تأثير إقليمي أو دولي وانشغلوا بخلافاتهم وتبايناتهم ومعاركهم الهامشية التي زعزعت ثقتهم في بعضهم البعض وحالت دون اهتمامهم بقضاياهم الرئيسية والأمور الاستراتيجية التي تجعل منهم كياناً فاعلاً داخل المصفوفة الدولية.
وكما هو واضح فإن الموقف العربي قد بقي موزعاً بين التظاهرات الشعبية المفعمة بمشاعر المرارة والغضب وبين بيانات الشجب والاستنكار والتحركات الخجولة التي تعاملت معها إسرائيل باستخفاف كبير لإدراكها أن العرب لا يملكون القدرة والتأثير على الأطراف الدولية ذات النفوذ العالمي ودفعها للضغط على كيانها المحتل حتى يقبل استحقاقات السلام العادل والشامل في المنطقة والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وما أفضت إليه كل المؤتمرات والتفاهمات التي تم التوصل إليها خلال السنوات الماضية.
ولأن الأوضاع التي تمر بها الساحة الفلسطينية والمنطقة العربية عموماً لا تحتمل في هذا الوقت سوى المزيد من المكاشفة والمصارحة فإن الأمانة تقتضي الإشارة إلى أن الموقف الذي نحن فيه يتطلب من العرب العمل الجاد من أجل مساعدة أبناء الشعب الفلسطيني على تجاوز خلافاتهم وتبايناتهم الجانبية وتغليب المصلحة العليا لشعبهم على ما دونها من المصالح وتصفية النفوس والإسراع في تحقيق الإجماع الفلسطيني ووحدة الصف والالتقاء على رؤية واحدة في مواجهة الجنون الاسرائيلي الذي صار يتمادى في غطرسته وعنجهيته وعدوانيته التي تظهر في أبشع صورة لها المجزرة التي يرتكبها الجيش الصهيوني في قطاع غزة.
ومن باب النقد الذاتي فإن من الواجب أن يعترف الفلسطينيون بانهم قد أخطأوا بحق أنفسهم وعليهم تجاوز هذا الحال بالانفتاح على بعضهم البعض وتعزيز جسور الثقة في ما بينهم خاصة وأنهم أمام خيارين إما التوحد وتعزيز الوحدة الوطنية واستعادة مفاصل قوتهم، وإما تجرع المزيد من كؤوس المعاناة جراء تعاظم الصلف والعدوان الصهيوني الذي لا سبيل إلى كبح جماحه إلا بصلابة الجبهة الداخلية واستعداد مختلف الفصائل لتقديم التنازلات في ما بينها خدمة لقضيتها المركزية.
وصدق الله العظيم القائل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).