الإخوان المسلمون يدافعون بشراسة عن 'دولة داعش' ويهاجمون منتقديها
الأربعاء, 22-أكتوبر-2014
محسن عوض الله -

تتأكد يوما بعد يوم معضلة الإخوان المسلمين في نسخة “ما بعد مايسمى الربيع العربي” في أنهم غير قادرين فعلا على التعاطي السليم والهادئ مع الإنتاجات الفكرية العميقة التي تتناول ظاهرة الإسلام السياسي بالنقد، وذلك في تكرار عقيم لعادة الجماعة منذ تأسيسها في “مصادرة حق التعبير للآخر الذي يوقف سيل إرهاب الإسلام السياسي مدافعا عن الحق في التنوع الحضاري والديمقراطية والحداثة”. وقد تأكدت هذه المعضلة الملتصقة عضويا بفكر الإخوان في المناسبة الأخيرة التي هاجم فيها أعضاء الجماعة الكاتبين المصريين ناجح إبراهيم وهشام النجار لمجرد أنهما تناولا بالدرس تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية، وتجدر الإشارة إلى أن الإخوان قد بادروا بالهجوم العنيف قبل صدور الكتاب، أي قبل قراءته أصلا.

شنت قيادات جهادية بمصر هجوما حادا على كتاب يحمل عنوان “داعش.. السكين التي تذبح الإسلام ” الذي سيصدر قريباً في القاهرة، للقيادي الجهادي السابق الدكتور ناجح إبراهيم والباحث هشام النجار. وعلى الرغم من أن الكتاب لم يصدر في الأسواق، إلا أن قيادات بالجماعة الإسلامية استنكرت قيام المؤلفين بعمل كتاب عن داعش وتجاهل التهديدات الشيعية بالمنطقة، وما أسموه بانتهاكات بعض الأنظمة العربية بحق التيار الإسلامي، بعد أن قرأوا مقتطفات نشرتها صحيفة “الشروق” المستقلة في القاهرة قبل أيام.

وقد أكد هشام النجار المشارك الرئيسي في تأليف الكتاب لـ”العرب” في حوار مباشر معه، أن “منتقدي الدراسة من الإسلاميين لم يقرأوها بعد”، وفي اعتقاده أن هذا أمر غريب، “ويدل على أن العقلية القديمة المنحازة إلى المصادرة دون قراءة ودون نقاش علمي لا زالت سائدة”. في إشارة إلى منهج تعاطي الإخوان المسلمين مع الدراسات والبحوث العلمية التي تتناول شأنهم تاريخيا وسياسيا وتنظيميا.

وتساءل الباحث أساسا عن “أسباب الخوف من كتاب؟” وإذا كانت لديهم وجهات نظر وأفكار ورؤى نافعة أخرى فليطرحوها وليردوا على الكتاب بآخر، “لكن العجز هو الرد على الفكر بالتطاول والاتهامات المسبقة دون حتى الاطلاع على الكتاب الذي جاءت تطاولاتهم واتهاماتهم قبل صدوره رسميا”، حسب قول النجار.

مهاجمة الكتاب يدل على أن العقلية المنحازة إلى المصادرة دون قراءة ودون نقاش علمي لا زالت سائدة لدى الإخوان

وقد أضاف المؤلف أن الانتقادات التي وجهت للكتاب ركزت بالأساس على عنوانه “داعش.. السكين التي تذبح الإسلام” معتبرا أنه “لو قرأ الإخوان الكتاب لوجدوا أن المقصود هو أن داعش وغيرها من تنظيمات تكفيرية مسلحة توظفها القوى الغربية لتقسيم الأمة والنيل من صورة الإسلام والإمعان في السيطرة على مقدرات الأمة والتحكم فيها".
وأشار النجار في تصريحاته لـ”العرب” إلى أنهم يستنكرون التركيز على داعش وانتقادها في الوقت الذي توجد فيه أخطار الشيعة الحوثيين وما فعلوه باليمن وجرائم أميركا وإيران التي لها يد في انتشار المذاهب المتطرفة والجرائم المرتكبة لإيجاد صيغ للتدخل تحت تعلاّت عديدة، لافتا إلى أن الشيعة والغرب لم يتمكنوا من التوسع والتغول في ديار الإسلام إلا بتوظيف “داعش” وغيرها وجعلها بديلاً للدولة الوطنية، وأضاق متسائلا: “وإلا كيف تمكن الحوثيون والشيعة من فعل ما فعلوه في اليمن، وهي أهم بلد يسيطر التكفيريون والقاعديون على كثير من المناطق الاستراتيجية فيها وفيها أكبر تجمعات لهذه التنظيمات”.

وأكد النجار أن كتاب “داعش.. السكين التي تذبح الإسلام” هو تبصير للأمة وشبابها من خطر التكفير وتوظيف التنظيمات التكفيرية المسلحة في استهداف بنية الدولة الوطنية العربية ودول الإسلام الكبرى كسوريا والعراق وليبيا ومصر وهدم بنيانها وتفكيك جيوشها والإتيان على البقية الباقية من تميزها الحضاري وتنوعها، وصولا إلى الهدف الكبير للدول والقوى المعادية للإسلام وأمته وهو الإمعان في تقسيمها وتجزئتها على أسس طائفية مذهبية ومحو عوامل تميزها ووجودها الحضاري والوطني .

وقد شدد “النجار” على أن ما قامت وتقوم به “داعش” يجعلها سكينا في يد إيران والدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية لتحقيق هذا الهدف، موضحا أن الكتاب يتناول قضية “داعش” من كافة جوانبها ويجيب على كثير من الأسئلة المتعلقة بالتنظيم ويعالج بالتفصيل والشرح الأبعاد السياسية والاستراتيجية، ثم الأبعاد الفكرية والحضارية والشرعية، مع فصل كامل عن التعريف بالتنظيم وملابسات نشأته وعلاقته بالقاعدة، والكتاب يقع في أربعة فصول.

داعش هي جزء من مخطط إيران والغرب في تقسيم الوطن العربي إلى طوائف متناحرة لإضعاف الدولة الوطنية

وبإلقاء نظرة أولية قبل نشر الكتاب، يمكن العثور من بين القضايا السياسية والاستراتيجية المهمة التي طرحها الكتاب على قضية استفادة إيران في مشروع توسعها المذهبي والطائفي من تلك التنظيمات، واتخاذها ذريعة لمزيد من التوسع والتمكين في المنطقة، وكذلك تأثير “داعش” وغيرها من التنظيمات التكفيرية المسلحة على ثورات الربيع العربي، وكيف أسهمت بقوة في تحويل أحلام الشعوب العربية البيضاء السلمية ومطالب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى كابوس من الدم والقتل والصراعات الساخنة على السلطة من منطلقات أيديولوجية وطائفية. كذلك استفادة الدول الغربية والولايات المتحدة من تلك التنظيمات بتوظيفها في مواصلة مشروع ومخطط تقسيم المنطقة، بعد القضاء على بنيتها الأساسية وعمودها الفقري المتمثل في الوحدة المجتمعية والتنوع الحضاري والثقافي و قوة الجيوش وقوات هذه الدول المسلحة وأجهزتها الأمنية.

وأضاف المؤلف أن الكتاب الذي ألفه صحبة الكاتب ناجح إبراهيم قد ناقش في البعد الفكري والحضاري إسهام “داعش” في تلويث الجانب الحضاري للأمة وإظهارها بمظهر العاجز عن مواكبة التطور التشريعي والدستوري وتطوير أنظمة الحكم بما يحافظ على الثوابت ويعانق المبادئ الأساسية من شورى وحرية وعدل ومساواة وفي نفس الوقت يواكب آليات العصر ومقتضياته. وذلك ردا على ما تروج له بعض الدوائر الفكرية والإعلامية في الغرب على أن العرب غير قادرين على تحمل المسؤولية التاريخية للحضارة الإنسانية وهم غير قادرين على تحمل العالمية ولقاء الآخر.

و قد كشف الكتاب عن كيفية أن “داعش” تقدم هدية للأعداء بإمكانية هزيمة الدول العربية والإسلامية بأسهل الطرق، لأن الدولة التي تصمد وتعيش في هذا الواقع وتحدياته وإمكانياته وتنوعاته وحضارته هي الدولة الحضارية ذات التنوع والتاريخ والأبعاد والرموز العلمية والخبرات الفكرية والثقافية والاستراتيجية والعسكرية، فالدولة ليست مجرد سلاح وليست مجرد محاربين، إنما تاريخ وثقافة وماض وخبرات في مختلف المجالات. وهذا ما يؤسس لدمار العرب لو انتصر فيروس داعش وشبيهاتها.

ولم يغفل الكتاب بحسب مؤلفه البعد الشرعي والدستوري، وأفرد لهذا البعد فصلا كاملا حيث ناقش وعالج القضايا الشرعية والدستورية المتعلقة بالقضية، ومنها على سبيل المثال قضية الخلافة وما يتعلق بها من مسائل وقضية فتن وملاحم آخر الزمان التي يعتمد عليها قادة “داعش” في تبرير مواقفهم والرد على ذلك، ومن ثم الرد على معظم الشبهات الشرعية المتعلقة بهذه القضية.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.