لهذه الأسباب يجب على المعارضة أن تقبل مبادرة الرئيس
الأحد, 02-مارس-2008
عبد الغني الماوري - ما قام الرئيس علي عبد الله صالح خطيرٌ جداً، فالمبادرة التي أعلن عنها في الكلية الحربية عشية الذكرى الخامسة والأربعين للثورة لا تتعلق بإجراء تعديلات دستورية، بل بتغييرات في بنية النظام السياسي اليمني. إن أفضل وصف لهذه المبادرة أنها ثورة دستورية، لكن المفارقة أن المعارضة بدت غير مصدقة لما حدث، بل اعتبرت أن لا شيء يستحق الاهتمام. الناطق الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك قال في برنامج "ما وراء الخبر" على شاشة قناة الجزيرة بأن المبادرة "خواطر رمضانية".
لكن هذا الاستخفاف لا يزيد من رصيد المعارضة في الشارع، إذ بدأ يتساءل البعض هل هذا كل ما تستطيع أن تقوم به؟ هل تغيير شكل النظام والانتقال إلى الحكم المحلي قضايا تستحق هذا الوصف؟ بيان المشترك الذي صدر عقب اعلان الرئيس عن مبادرته بدا وكأنه ُكتب قبل المبادرة، نفس العبارات ربما باستثناء موضوع تقسيم العراق، إذ اعتبر أن مفردات المبادرة قضايا مطروحة على أجندة الحوار، وقد تم التوقيع عليها في الوثيقة التي أعلنتها الأحزاب وكل وسائل الإعلام في 16 يونيو الماضي, الغريب في الأمر أن البيان جدد مطالبته بأن تقدم كل الرؤى والأفكار والمبادرات إلى طاولة الحوار. وهنا ثمة سؤالٌ ُيطرح: هل رفض دعوة الرئيس للحوار ينسجم مع هذه المطالبة المشروعة؟

ماذا في المبادرة
سيكون من الخطأ الاعتقاد أن هذه المبادرة عادية، يمكن أن يأتي غيرها في أي وقت. إن الذي يعتقد ذلك لا يمكن أن يكون له علاقة بالسياسة، فالسياسة هي فن الممكن، وهي أيضاً القدرة على التقاط اللحظة المؤثرة وانتهاز الفرص، وهذه المبادرة هي فرصة ثمينة لا يجب اضاعتها تحت أي مبرر، فمن الصعب حدوث تغييرات حقيقية في بنية أي نظام سياسي في إحدى دول العالم الثالث بطريقة سليمة. ما يطرحه الرئيس هو تغيير جوهري من خلال حوار وطني، هل هذا عرض يُرفض؟!
تتضمن المبادرة عشر نقاط تؤدي حتماً - في حال أصبحت واقعاً- إلى تغيير المشهد السياسي بالكامل. النقطة الأولى تتعلق بشكل نظام الحكم؛ حيث يقترح الرئيس أن يكون نظام الحكم رئاسياً كاملاً، بحيث يكون الرئيس هو المسؤول الأول أمام الشعب الذي انتخبه وأمام البرلمان، وهذا الأمر سوف يقضي على الازدواجية في الحكم والمسؤولية، فلن يكون هناك رئيس وزراء، وهذا تحديد مهم للغاية، فلا يمكن لأي رئيس إلا أن يتحمل نتائج كل القرارات التنفيذية، ولن يكون بمقدوره إلقاء المسؤولية على رئيس حكومة قد لا يكون له علاقة باتخاذها.
النقطة الثانية التي تضمنتها المبادرة هي تخفيض مدة بقاء الرئيس في الحكم بحيث تصبح خمس سنوات بدلاً من سبع لدورتين فقط. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه النقطة بالذات كانت من القضايا التي وعد الرئيس في برنامجه الانتخابي بتنفيذها في حال فوزه في انتخابات 2006.
أما النقاط الثالثة والرابعة والخامسة فتتعلق بالسلطة التشريعية، التي حسب المبادرة ستتكون من مجلسي نواب وشورى مدة كل منها أربع سنوات، وسيتم انتخاب مجلس النواب حسب عدد السكان، على أن ينتخب مجلس الشورى بالتساوي بين المحافظات بغض النظر عن التعداد السكاني أو المساحة الجغرافية. وهذا نظام معمول به في عدد لا بأس به بين دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ويحقق هذا النظام أوسع مشاركة ممكنة من جهة ومن جهة أخرى يؤدي إلى توازن بين حق الأغلبية العددية وحق المناطق الجغرافية " الأقاليم" أو المحافظات في حالة اليمن، وما يهم الآن هو تحديد اختصاصات وصلاحيات كل مجلس بدقة متناهية حتى لا يحدث تضارب، وقد أشار الرئيس إلى ذلك عندما قال أن القانون والدستور سوف يحدد أن طبيعة علاقات المجلس في جملة من القضايا، يجب أن تكون هذه العلاقة غير ملتبسة لأن ذلك سوف يطيح بهذه الفكرة "فكرة المجلسين".
العنصر الأكثر أهمية في المبادرة، حسب اعتقادي، هو ذلك المتعلق بتوسيع المشاركة الشعبية، فقد نصت المبادرة في نقاطها السادسة والسابعة والثامنة على الانتقال من السلطة المحلية بصيغتها الحالية إلى الحكم المحلي بحيث يكون رئيس المجلس المحلي منتخباً، ويكون لمجلس الحكم صلاحيات سيكون من ضمنها الإشراف على الضرائب والموارد المحلية والأمن الداخلي من خلال إنشاء شرطة محلية، إذ لا يجب إرسال شرطي من محافظة إلى أخرى لا يعرف خصوصيتها ولا يعرف طبيعتها ويكون فيها مثل الغريب" حسب الرئيس.
وخلافاً لما قد يعتقده البعض من أن ذلك يعد تقسيماً فإنه على العكس من ذلك فيه تقوية للنظام السياسي وسوف يجعله في منأى عن كثير من المشاكل والتفاصيل اليومية التي تأخذ من وقته واهتماماته والتي سوف تكون من اختصاص هذه المجالس، مثل مسألة ارتفاع الأسعار، وأستطيع القول أن هذه المجالس باستطاعتها تقديم حلول في هذا الشأن أكثر من الحكومة.
هناك قضايا أخرى تبدو بسيطة لكنها بالنسبة للمواطن العادي أكثر من مهمة، ولذلك فإن هذه المجالس ستكون الأقدر على التجاوب معها من الحكومة التي سوف تتحول حسب المبادرة إلى إدارة تتبع الرئيس وتهتم بالسياسات العليا والموضوعات الكبرى.
لكن حتى تنجح هذه التجربة لابد من وجود "جهة ما" يمكن للمواطن اللجوء إليها في حال تعرض لظلم من قبل مسؤول في المجلس المحلي، فالقضاء في صورته الحالية لا يستطيع فعل ذلك، يجب أن يفهم الجميع أن الانتقال إلى حكم محلي لا يعني أعطاء "نافذ ما" سلطة التحكم في مجموعة من الناس، نعم هناك انتخابات لكن يجب أن يكون هناك محاسبة.
ومن القضايا المهمة في المبادرة، تخصيص نسبة 15 في المائة للمرأة في الانتخابات لعضوية مجلس النواب، ما يعني أن 45 امرأة ستتواجد في البرلمان، وهو أمر سيكون مثار نقاش حاد بين المؤيدين والمعارضين، إذ سيلجأ المعارضون لأي دور سياسي للمرأة إلى القول أنهم لا يعارضون عمل المرأة في السياسية لكنهم يرفضون التمييز لأن ذلك ضد الدستور الذي ينص صراحة على أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات، بينما سوف يرد المؤيدون أن هذا تمييز، لكنه تمييز إيجابي تشجعه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتأخذ به العديد من الدول الغربية والعربية. وفي الواقع أن ما سوف يدور من نقاشات هنا سيكون مكرراً حيث ُقتل هذا الموضوع بحثاً في كثير من الدول العربية وغير العربية، لكن المهم هو عدم التعامل مع هذا الموضوع بانتهازية وإطلاق شعارات مظللة.
النقطة العاشرة في المبادرة هي تلك التي تتعلق بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات حيث نصت المبادرة أن يختار رئيس الجمهورية سبعة قضاة من بين أربعة عشر قاضياً يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، وباعتقادي أن الرئيس يريد من خلال هذه الاقتراح أن يضمن استقلالية اللجنة.
لكن ما دام الرئيس قد دعا إلى حوار حول مبادرته، ودعا الجميع إلى أبداء وجهة نظرهم حولها، فأني أرجو أن يتم البحث عن صيغة أخرى، ذلك أن إدخال القضاء في السياسة سيجعله طرفاً سياسياً، وعندئذ سيكون القضاة والقضاء محل شك وانتقادات قاسية، وهذا سيؤدي إلى أن يفقد القضاء ما تبقى من هيبته. وهنا لابد من التذكير بأن مصر التي سبقتنا إلى إشراك القضاء في إدارة العملية الانتخابية تخلت عن ذلك، بعد ما تبين لها أن القضاء صار ساحة للصراع السياسي وهو ما أثر في علاقة القضاة بعضهم ببعض.

التأسيس لحوار وطني
ماذا كان يمنع الرئيس من تمرير مبادرته عبر مجلس النواب الذي يحظى فيه المؤتمر بأغلبية مطلقة؟ في الحقيقة أن الرئيس يدرك أن مبادرته ليست شخصية، برغم تأكيد المعارضة ذلك، إنها مبادرة وطنية تمس جوهر النظام، وبالتالي فإن من الأفضل أن يتم التحاور على بنودها. وقد كان لافتاً دعوة الرئيس لمنظمات المجتمع المدني بالمشاركة في الحوار. رفض المعارضة دعوة الرئيس للحوار خطأ فادح، فقد ظهرت بمظهر الرافض للحوار. لا يفيد القول أن الصحافة هي السبب، كما صرح بذلك أمين عام الإصلاح عبد الوهاب الآنسي. ما الذي يمنع المعارضة في الجلوس على طاولة الحوار، لن يستطيع أحد أن يجبرها على فعل شيء يخالف قناعتها، خصوصاً وأن الرئيس ترك الباب مفتوحاً للحوار حول النظام الأنسب لليمن، هل يكون رئاسياً كما جاء في مبادرته، أم برلماني كما تطالب أحزاب اللقاء المشترك؟
ومن وجهة نظري أن المشكلة ليست في أن يكون النظام رئاسياً كاملاً أو برلمانياً كاملاً، المشكلة كانت باستمرار هي قانون الانتخاب الذي يقف عقبة أمام أي تطور سياسي، ويمكن للمعارضة أن تتبنى مطلباً واحداً هو الانتخاب بالقائمة النسبية، ولا أظن الرئيس الذي يؤسس لنظام سياسي جديد سيكون في الموقع المقابل، لكن لابد من بداية، والبداية هي مبادرة الرئيس، هل هناك كلام آخر؟