الفكر الجهادي ليس أخطر على أوروبا من الدهاء الإخواني
الاثنين, 04-أغسطس-2014
فرانس فيرمان -



الخطر المحدق الذي يشكّله المقاتلون المتشددون العائدون من سوريا إلى أوروبا، يستوجب من الحكومات الغربية إعداد خطط عاجلة وناجعة للحدّ منه والسيطرة عليه تجنبا لتداعياته التي يمكن أن تكون كارثية، لكنّه على شدّته، لا يمكن أن يحجب خطرا آخر أشدّ وطأة، يتعلق بمحاولات السطو الممنهج على المجتمعات الأوروبية ومؤسساتها من قبل تيارات الإسلام السياسي التي تدعي الاعتدال، وخاصّة الإخوان.

تتزايد المخاوف من أن الشباب المولود في أوروبا والذين يقصدون سوريا سيتورطون في حرب الإسلاميين الأصوليين لإقامة دولة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق ثم يعودون إلى بلدانهم لمحاولة فعل الشيء ذاته. قال رجل بريطاني لقناة “بي. بي. سي” إنه كان يحارب إلى جانب النصرة ولن يعود حتى يرفرف "علم المملكة فوق قصر باكنغهام".

في أبريل 2014 حث توني بلير المسؤولين الغرب على وضع خلافاتهم مع روسيا والصين جانبا والتركيز على الخطر القادم من الإسلام المتشدد. وقال بلير إن التعامل مع نظرة أصولية ومسيسة للإسلام يجب أن يكون من أولويات الأجندا السياسية، جاء كلامه في إطار آرائه حول تحرك الحكومة المصرية ضد خصومها من الإخوان الإسلاميين.

وحسب رأيه، فقد عمدت "حكومة الإخوان المسلمين إلى السطو الممنهج على تقاليد البلد ومؤسساته".

وقبل خطاب بلير بقليل كانت الأخبار المتعلقة بالمؤامرة المزعومة لأسلمة المدارس البريطانية في برمينغهام قد تصدرت عناوين الصحافة في المملكة المتحدة، حيث بدا هنا أيضا أنّ التعابير الأصولية للإسلام متورطة في السطو عــلى "تقاليد البــلد ومؤســساته".

ويقدر عدد المسلمين المقيمين في أوروبا، حاليّا، بحوالي 44 مليون نسمة (ليست هناك أرقام رسمية لكن كل البلدان الأوروبية تقريبا تضم أقلية مسلمة).

عملية حصان طروادة، تعكس بشكل واضح جدا نظرة الإخوان لانتشار الحركة الإسلامية في الغرب

ورغم أنّ الغالبية العظمى من هذه الجاليات تتميّز بالمواطنة المسؤولة، إلاّ أنّ الحكومات الغربية تعي أنّ الإسلام فيه جناح أصولي يسمى “الإسلام السياسي” (ليس متجانسا وفيه وجوه عنيفة وأخرى غير عنيفة)، وهي مدركة أنّ الوجوه غير العنيفة من الإسلام السياسي في الواقع هي الأشد خطرا على مجتمعاتها.

الإسلاموية أو الإسلام السياسي

يعدّ حضور الإسلاموية أو الإسلام السياسي بمختلف تجلياته داخل الجاليات المسلمة، أحد العوامل الحاسمة التي تولد التوترات في الغرب. ويمكن تعريف الإسلاموية بأنها "أشكال من النظرية والممارسة السياسية التي تهدف إلى إقامة نظام سياسي إسلامي في شكل دولة تُستمد مبادئ الحكم والمؤسسات والمنظومة القانونية مباشرة من الشريعة".

وعادة ما يسوي المحللون بين هؤلاء الإسلاميين وبين الجهاديين، ولا يفرقون بين الفروع العنيفة والأخرى غير العنيفة، ففي كتابه عن انتشار الإسلاموية (أو الإسلام السياسي) في أوروبا يتحدث لورونسو فيدينو (أكاديمي وخبير أمن متخصص في الإسلاموية والعنف السياسي في أوروبا وشمال أميركا) عن الإسلاموية باعتبارها “حركة سياسية شديدة التنوع ودائمة التطور”، وهو يقسم الإسلاميين إلى ثلاثة أصناف أساسية هي: الرافضون العنيفون (أو الجهاديون)، والرافضون غير العنيفين، والتشاركيون.

ويختلف كل مكون من مكونات الإسلام السياسي هذه، عن غيره في الحضور والهيكلة وطريقة العمل، ومن ثم يمثل كل منها نوعا مختلفا من التحديات أمام القارة الأوروبية، التي أصبحت أخيرا تهتمّ بخطر “الجهادية” وشرعت في صنع حلول جديدة لاحتوائها.

وقد نتج ذلك بالخصوص عن توجّه المئات من الجهاديين الذين ترعرعوا في أوروبا للقتال في سوريا، وخطر التشدّد الذي سيعودون به إلى الديار، إن نجوا من الحرب. لكن في ما يتعلّق بالنوعين الأخيرين من الحركة الإسلامية، فمازال فهم الأوروبيين لهما محدودا.

توني بلير: التعامل مع نظرة أصولية للإسلام يجب أن يكون من أولويات الأجندا السياسية


أصناف الحركة الإسلامية الثلاثة

يقول الباحث فيدينو إن الرافضين العنيفين، وعادة ما يوصفون بالجهاديين، هم أفراد وشبكات (كثيرا ما يكونون مرتبطين بالقاعدة أو هم يستلهمون من فكرها)، وهم يرفضون المشاركة في المنظومة الديمقراطية ويستعملون العنف لخدمة أهدافهم. وعادة ما يكونون المستهدف الرئيس، إن لم يكن الوحيد، من قبل البرامج الأوروبية المقاومة للتطرف.

أمّا الرافضون غير العنيفين، فهُم أفراد وجماعات (مثل السلفيين وحزب التحرير) يرفضون صراحة شرعية أيّ نظام حكم لا يعتمد على الشريعة الإسلامية، لكنهم لا يدعون (على الأقل بشكل صريح) إلى استخدام العنف لخدمة أهدافهم. حيث تدعو السلفية إلى العودة إلى العصر الذهبي الإسلامي عن طريق الرجوع إلى المصادر المحضة المتمثلة في القرآن والسنة فحسب.

كما تتميز السلفية بالحَرفية في مقاربتها، وذلك بدعوتها للمسلمين بأن يتصرفوا تماما مثل السلف الصالح.

وقد نجحت السلفية في جذب عدد متزايد من المسلمين الأوروبيين بفضل بساطتها وادعائها التفوق الأخلاقي والمعنوي. أما حزب التحرير فهو يهدف رسميا إلى نشر فكره ومعارضة الأمر الواقع دون النزوع إلى العنف.

و يقول فيدينو إنّ خطاب حزب التحرير متطور ومعدل بمهارة ليسمعه المسلمون في الغرب، وعادة ما يكون أعضاؤه مهنيين متحصلين على تعليم عال، وينتمون إلى الجيل الثاني من الجالية المسلمة المهاجرة. غير أنّ الباحث يلفت إلى أنّه رغم عدم دعوة السلفية وحزب التحرير إلى استعمال العنف، إلاّ أنّ الحد الفاصل بينهما وبين ذلك تلفه الضبابية.

أمّا الإخوان المسلمون وغيرهم من الحركات الإسلامية التشاركية، حسب نظرة فيدينو، فهي موجودة في قاعدة الهرم الإسلامي في أوروبا، إذ يمثل هذا الصنف الجزء الأكبر عددا.

والتشاركيون هم أفراد وجماعات يدعون إلى التفاعل مع المجتمع الواسع سواء على المستوى الصغير من خلال النشاط القاعدي، أو على المستوى الكبير من خلال المشاركة في الحياة العامة والمسار الديمقراطي.
ويلاحظ الباحث أنه على عكس الرافضين، فقد اتخذت هذه المنظمات قرارا واعيا بتجنب المواجهات غير الضرورية ولجؤوا عوضا عن ذلك إلى انتهاج سياسة ذكية ومرنة للدخول إلى المؤسسة الأوروبية والانخراط فيها.

الإخوان المسلمون الأكثر دهاء

في ذات السياق والمنهج الذي يسير عليه فيدينو في بحثه هذا، هناك استعراض للخطوط العريضة لهذا الدور الذي تسعى الجماعة للاضطلاع به في كتاب “المفكر” الإخواني يوسف القرضاوي في كتابه “أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة”، الذي صدر في سنة 1990.

فقد خصص القرضاوي قسما كبيرا من كتابه لحضور الأقليات المسلمة في البلدان الغربية، والفرصة غير المسبوقة لما يمكن أن تمثله هذه الظاهرة للحركة الإسلامية في توجيه عقول المهاجرين المسلمين في بلاد الغرب وتشكيلها.

ولتحقيق هذا الهدف يدعو القرضاوي إلى خلق شبكة من المراكز الإسلامية ومجموعات التفكير والمجلات والمساجد والمؤتمرات لكي تتمكن الحركة الإسلامية من نشر قراءتها المسيسة للإسلام بين مسلمي البلدان الغربية.

وفي ذات الوقت يدعو إلى الاعتدال والتفتح النسبيين عند التعامل مع غير المسلمين، فالمواجهة على الأقل في هذه المراحل لا تؤدي إلا إلى الإضرار بالحركة، في حين أن إظهار الوجه المعتدل سيمكن الإخوان من العمل "تحت شاشة الرادار".

44 مليون نسمة عدد المسلمين المقيمين في أوروبا

أمّا الهدف الثاني الذي تجمع عليه كلّ المنظمات الإخوانية في أوروبا، حسب فيدينو، فهو تعيين ممثلين للجالية المسلمة يمثلون بلدانهم سواء بشكل رسمي أو بحكم الواقع.

وكونها هي الشريك المفضل، إن لم يكن الحصري، للحكومات والنخب الأوروبية، من شأن ذلك أن يخدم أهدافا متعددة، أوّلها المساهمة الإيجابية في مستقبل المجتمع الأوروبي، إذ يقدم الإخوان أنفسهم كقوة معتدلة تشجع المسلمين على الاندماج في المجتمع ونشر المبادئ الإسلامية الّتي ستعود في النهاية بالفائدة على الجميع.

عن طريق بناء هذه العلاقة يهدف الإخوان المسلمون في الحقيقة، بحسب فيدينو، إلى كسب ثقة الحكومات الأوروبية في إدارة كلّ مظاهر حياة المسلمين في كل بلد.

والغاية المثلى هي أن يصبحوا مكلفين من قبل الحكومات بإعداد البرامج الدراسية، واختيار مدرسي التربية الإسلامية في المدارس العمومية، وكذلك تعيين الأئمة في المؤسسات العامة مثل الجيش أوالشرطة أو السجون، بالإضافة إلى الحصول على دعم مالي حكومي من أجل القيام بمختلف الخدمات الاجتماعية.

هذا “الدهاء الإخواني” يحيل إلى مدارس برمينغهام، حيث أن الاستراتيجية ذات الفروع الأربعة المشروحة في الوثيقة المسربة التي تصف “عملية حصان طروادة”، تعكس بشكل واضح جدا نظرة القرضاوي لانتشار الحركة الإسلامية في الغرب، والتي تمثّل نموذجا للاستراتيجية التشاركية.

في هذه الحالة تم اختراق المؤسسات التعليمية بشكل تدريجي بغاية الاستيلاء عليها، طبعا حصل ذلك دون اندلاع العنف، فالسر يكمن في الضغط (المكثّف) .

هذا هو الوجه غير العنيف للإسلام، لكن خلق ثقافة الخوف والترهيب في المدارس، وتهميش المعلمين أو إقصائهم من عملهم، وجعل أطفال في مدرسة من المفترض أنها غير دينية يتغنون بنشيد معاد للمسيحية، وإلغاء نشاط مسيحي عادي، كلّ هذه الممارسات، يمكن اعتبارها ‘عنفا متخفيا’ كذلك.

كما برهنت الوثيقة التي تحدّثت عن “عملية حصان طروادة”، أنّ التشاركيين يستطيعون الاستفادة من السلفيين، فليس من المحتمل أن يقوم هؤلاء بأعمال عنف مباشر لكنهم قد يكونون عرضة لنزعة تشدد قوية تصيب أهدافهم الدينية.

الوجوه غير العنيفة للإسلام السياسي هي في الواقع الأشد خطرا على المجتمعات الغربية

الإسلام السياسي يوسع مجاله بالتدريج

انطلاقا من هذا المخطط الذي تمّ الكشف عنه مؤخّرا، وجب على الحكومات الغربية أن تفهم أن أحداث برمينغهام هي نموذج معبّر عن الطريقة التي يتوسع بها الإسلام السياسي في الغرب.

فالإسلام السياسي بصدد توسيع مجاله تدريجيا عبر جعل التعبيرات الإسلامية المعتدلة أكثر تشددا من جهة، وعبر انتشار المساجد والاستيلاء على التقاليد والمؤسسات في البلدان الغربية، من جهة أخرى. وحتى الأحداث العنيفة فهي تعدّ مجدية في ظلّ هذه الاستراتيجية، إذ أنّ أحداث العنف الجسدي القليلة، تعطي التشاركيين فرصة التضامن مع الحكومة ضدّ هؤلاء “الأشرار” في الوقت الذي يدّعون فيه أنهم هم "الأخيار".

والنتيجة هي حلقة مفرغة من سياسات التهدئة التي تنتهجها السلطات المحلية مما يسهل مزيد انتشار الإسلام السياسي، ويترك السكان من غير المسلمين، من دون دفاع، أو يسبب شعورا يمينيا متطرفا غير مرحب به في المجتمع.

بناء على ما تقدم، وجدت الحكومات الغربية نفسها مجبرة أن تفكر جيدا في الحدود التي يجب وضعها في ما يتعلق بتمظهر الإسلام السياسي. حيث أنّ ثقافة “التهدئة” تجعل مواطني البلدان الغربية، ومجتمعاتها ككل، عرضة لتلاعب الإسلاميين من أجل خدمة تفوقهم الإسلامي في الغرب.

وهذا الأمر يمكن أن يكون مدمرا بالنسبة إلى هذه المجتمعات. إذ أنّنا “في حاجة أكيدة إلى نقاش عمومي جاد وسياسات حكومية صارمة من أجل إيقاف المد الإسلامي في بلداننا”، وفق تعبير فيدينو.

ترجمة منصف الخروبي

*. نقلاً عن صحيفةالعرب اللندنية.