أول حركة قطرية معارضة: ديمقراطيتكم ردت إليكم
الثلاثاء, 01-يوليو-2014
عبدالجليل معالي -




"نشطاء يطلقون أول حركة قطرية معارضة من القاهرة تحت مسمّى الحركة الشبابية لإنقاذ قطر". خبر أثار الانتباه وقد يواصل إثارة حبر التحاليل والقراءات. وهو أيضا حدث "كاشف" ينفتح على أكثر من دلالة.

ليس بديهيا أن تنجح الحركة القطرية المعارضة في تحقيق أهدافها أو حتى جزء من أهدافها، لكن فشلها لن يسحب من الإعلان أهميته و«خطورته». إعلان مجموعة شبابية قطرية عن تأسيس حركة معارضة يمثل قرارا جريئا في دولة تقوم على تناقض كبير:

دولة ترعى وتشجع وتساند الاحتجاجات في العالم العربي، والعنوان المعلن «إشاعة الديمقراطية» في المنطقة، وتستند في سعيها إلى نشر الديمقراطية على أدوات ضخمة أثبتت فعاليتها في السابق وبدأت تضمر وتتهاوى مؤخرا. والأدوات هي أساسا قناة الجزيرة والشيوخ الذين يقيمون في قطر والمال الوفير، أما الضلع الثاني للتناقض فهو أن هذه الدولة راعية الديمقراطية في أقطار العالم، تأبى فتح نوافذها لأي هبوب ديمقراطي مهما كان ضئيلا، وتسجن شاعرا كتب قصيدة أشاد فيها بثورة تونس.

«الحركة الشبابية لإنقاذ قطر» (بكل ما يحمله الاسم من دلالات) ستضع عديد الأطراف أمام محكات الموضوعية. كيف ستتعامل قناة الجزيرة- مثلا- مع الحدث وهي التي كانت تنقل مباشرة مظاهرة في إحدى قرى صعيد مصر تضم بضع مئات من المتظاهرين، وترفقها بتعليق مكتوب «تواصل الاحتجاجات العارمة الرافضة للانقلاب»؟ هل ستواصل إدارة وجهها إلى الدولة التي تضمها وتعتبر أن قطر تلك بلا أحداث عدا مقابلات الدوري القطري للمحترفين أو بعض المعارض الفنية. أم أنها ستوظف هذا الخبر (تأسيس الحركة الشبابية لإنقاذ قطر) على أساس أنه من تدبير «قوى الانقلاب في مصر» أو ستسوقه على أنه يتم بدعم وتدبير دول وقوى خليجية؟ وربما تقفز قوى التبرير على تصريح محمد نبوي المتحدث الرسمي باسم حركة تمرد المصرية حين أعلن تأييد تمرد للحركة القطرية المعارضة بقوله «سنعلن قريبا استقلال الدوحة عبر القاهرة». في كل الأحوال، سواء تعرضت القناة إلى الخبر أو أهملته كدأبها مع الأحوال القطرية، فإن في الأمر إحراجا لقناة تدعي المهنية والمصداقية.

الخبر سيحرج قوى أخرى، الجماعات الإخوانية أساسا وما لف لفها من شيوخ ودعاة، هل سيعتبر الإخوان والقرضاوي مثلا أن تأسيس تلك الحركة خروج على الديمقراطية في نسختها القطرية؟ أم أنهم سيستعيرون المقولة الممجوجة بأن الأمر يدبّر من الخارج؟ نستحضر هنا تعامل الإخوان مع حركة تمرّد قبل 30 يونيو، وكيفية تقييمهم لأحداث ميدان تقسيم في تركيا، ونتذكر كذلك موقف يوسف القرضاوي من الأحداث ذاتها، ولعلّه يعتبر الأمر خروجا على «أولي الأمر".

تأسيس الحركة الشبابية القطرية، مفيد أيضا من زاوية كونه سيمكن هتك حجب السياسة القطرية، التي تحرص الدولة بكل أجهزتها على عدم خروجها إلى العلن، فالثابت أن المعارضة القطرية الوليدة ستساهم ولو باحتشام في كشف ما خفي خاصة وأن خالد الهيل رئيس الحركة قال إن المجموعة تتوفر على ما يناهز «9 آلاف وثيقة تثبت تجاوزات الأسرة الحاكمة في قطر والاستيلاء على المال العام".

تأسيس الحركة القطرية المعارضة في الخارج، فعل مشروع وطبيعي، لأن الدول والأنظمة تتطور بوجود المعارضة والنقد وحتى الشعر، لكن يبدو أن هذه القواعد والبديهيات السياسية لا تنسحب على الحالة القطرية. ولذلك فإن الحدث البسيط في ظاهره سيضع الجميع أمام امتحان جديد.

قد تفشل الحركة الوليدة في تحريك المياه القطرية الراكدة، وقد لا تتوفق في تحقيق أهدافها (وهذا مرجح) لكنها حققت فرادة أنها مكنت قطر من «معارضة»، وهي بذلك صاحبة فضل على قطر قبل غيرها، حيث نقلتها إلى مصاف الدول الحديثة التي بها نظام ومعارضة. ولاشك أن التعامل مع هذه الحركة المعارضة سواء كان بالقمع أو بالتغطية على الخبر وتعويمه، فإنه سيكون عينة على هندسة السياسة القطرية: رعاية الديمقراطية خارجا وسجن شاعر من أجل قصيدة.

كاتب تونسي



صحيفة العرب