رسالة 'السيسي' للإخوان وحلفائهم
الاثنين, 12-مايو-2014
محمد أبو الفضل -

الرسائل التي حملها الخطاب السياسي للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي مؤخرا، بدت متعددة وتحمل معاني للداخل والخارج، وكشفت رؤيته لقضايا كثيرة، لكن أهم رسالة سأقف عندها تتعلق بقوله “لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في مدة رئاستي”، حيث فسرها البعض بعدم وجود مصالحة معهم، وقال آخرون أن الإقصاء سيكون منهجا في عهده، وبالغت فئة ثالثة في شططها، وألمحت إلى أن المشير سوف يتخلص منهم نهائيا.

في كل الحالات كان التفسير مصدر ارتياح لقطاع كبير من المواطنين، لازالوا يحملون غضبا تجاه الجماعة التي هددت الأمن القومي للبلاد، وكادت أن تتسبب سياساتها الخاطئة في تفتيت وحدة المصريين. لكن فريقا آخر شعر بالتناقض الذي ينطوي عليه الكلام السابق، لأن في صفوف المحسوبين على الإخوان فئة مسالمة لم ترتكب عنفا وأدانت من ارتكبوه، كما أن المشير السيسي أكد أنه يفتح ذراعيه لكل المصريين، الذين لم يمارسوا الإرهاب، ولم تتم إدانتهم لجرائم متعلقة به.

التقدير عندي أن السيسي أراد بعبارته السابقة توصيل رسالة مزدوجة، إلى الإخوان والمتحالفين معهم، مفادها ضرورة التكيف مع الأوضاع الجديدة، والالتزام بقواعد اللعب السياسي النظيف، خاصة أن الدستور أشار إلى منع الأحزاب على أساس ديني، وأن المصالحة- الصفقة التي يراهن عليها البعض- لن تحدث أبدا، ومن ثمة عليهم الإذعان للمحاكمات القضائية، والكف عن الشوشرة التي يقومون بها في قاعات المحاكم، لأنها لن تسمن أو تغني من جوع.

أما رسالته للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي تضغط من أجل استيعاب الإخوان ضمن الواقع السياسي الجديد، تقول إذا كانت واشنطن وغالبية الدول الأوروبية استسلمت للتغيير الذي حدث في مصر، وقبلت على مضض عزل الرئيس الإخواني، فعليها وقف محاولات البحث عن مكان سياسي للجماعة مستقبلا، حتى تبدو واشنطن والغرب عموما، وكأنهما لم يتخليا عن أصدقائهما الإخوان، ويخففا من أي عنف محتمل يمارسه هؤلاء ضد المصالح الغربية، والأهم أن يتحول الإخوان إلى شوكة في خاصرة الحكم الجديد وورقة للمناكفة، لوقف طموحات الرئيس المحتمل المشير السيسي.

عندما أكد السيسي أنه لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في عهده، أراد أن يقطع الطريق على المساعي التي تبذل لانخراطهم في العمل السياسي رسميا، وأراد تحدي المحاولات الرامية إلى جرح منهج الاستقلال الوطني الذي يتبناه الرجل، وظهرت معالمه في قضايا متعددة، آخرها ما كشفه لي مصدر رفيع المستوى، بشأن إعلان أميركا (عبر عالم وسيط) استعدادها تمويل المشروع العملاق "ممر التنمية"، الذي يربط الصحراء الغربية من البحر المتوسط حتى أسوان، وإقامة كل ما يلزمه من شبكات طرق وكباري وسكك حديدية ومصانع ومساكن واستصلاح للأراضي، شريطة أن تكون لها حصة مادية في المشروع.

الأمر الذي رفضه السيسي، وأكد أن المشروع القومي سيتم برأس مال مصري وعربي وبالتدريج، فكانت صفعة جديدة يوجهها المشير إلى واشنطن، بعد سلسلة من الصفعات، لم يكن رفض القبول بمشاركة الإخوان السياسية آخرها، بل سبقتها جهود مضنية لإثناء السيسي عن الترشح لانتخابات الرئاسة مقابل مكافأة مغرية، وعندما فشلت أميركا، اتجهت إلى غرس منغصاتها في الجسد المصري التي قوبلت بمقاومة شديدة.

رسالة السيسي الحادة إلى الإخوان وحلفائهم، استندت إلى جملة من المحددات الرئيسية، أهمها العنف الذي تمارسه الجماعات المتشددة الملتحفة برداء إخواني خفي، وهو ما يعزز عدم الوثوق في الجماعة، مهما تحدثت عن سلمية مظاهراتها في الشوارع والجامعات، فضلا عن الغضب الشعبي العارم ضد الإخوان، يقابله حب جارف للمشير السيسي، حتى تحول إلى بطل شعبي وعربي لتصديه لأفعال الإخوان، بالتالي لابد أن يظهر موقفا صارما ضدهم، حتى تستقر الأمور، لأن مراحل التحول لا تتحمل مجازفة، لذلك آثر قطع الطريق نهائيا على أية محاولات للالتفاف لدخول الإخوان البرلمان القادم، حيث تتهيأ الجماعة لنشر عناصرها في قوائم بعض الأحزاب الصغيرة.

من جهة ثانية، جاء موقف السيسي في وقت حققت فيه أجهزة الأمن تقدما ضد العناصر الإرهابية المؤيدة للإخوان، ومن ثم انكشف ظهيرها المسلح، ولم تعد قادرة على الوصول إلى هدفها في بث الفوضى، وتزامن مع ذلك إصرار السيسي على تقديم صيغة معتدلة للإسلام ورفض الاحتكار، والاستعانة بالأزهر لنشر الإسلام الوسطي، علاوة على إحكام وزارة الأوقاف سيطرتها على المساجد التي أصبحت بابا خلفيا للإخوان.

سياسات تجفيف المنابع، أسهمت في وضع الجماعة وحلفائها في موقف بالغ الحرج، لا تستطيع معه التصميم على التقدم بصورة مسلحة خوفا من أن تحترق، ولا تستطيع الضغط سياسيا، خشية كشف المستور عن أشياء يمكن أن تحرج جهات كانت لها أصابع في الجرائم التي مست المصريين، وكانت صيغة عدم وجود الإخوان، مناسبة لتوصيل الرسالة المطلوبة في هذه المرحلة، وقد يكون للمرحلة المقبلة حديث آخر.

*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.