صورة مأساوية لعالم يتخبط في أوحال الطوائف
الثلاثاء, 06-مايو-2014
الميثاق إنفو -


في روايته الجديدة “حامل الوردة الأرجوانية”، الصادرة حديثا عن “الدار العربية للعلوم ناشرون”، يحمل الكاتب اللبناني أنطوان الدويهي مبضعه السردي ويقتحم جسد الواقع، مشرّحا إياه ليكشف ما فيه من أدران وعيوب علّه يسهم في عملية استئصالها، فيتخذ من المكان التقاطبي بؤرته السردية الأساسية منطلقا منها ليطلق رؤاه في الوجود والإنسانية.

تقوم بنية رواية “حامل الوردة الأرجوانية”، للكاتب أنطوان الدويهي على ثنائية المكان بين شرق وغرب، حيث يضع الدويهي يده على حقائق قائمة أو قادمة، محذّرا من مخاطر تغلغل الاستبداد في بلاده التي لم يحدد حدودها وكأنه يريد أن تكون مساحة الوطن العربي أو الشرقي عامة هي مسرح تلك الاحداث، حيث تشويه الوطن من خلال القضاء على ركيزتي الوجود: جمال الطبيعة والحرية، “وطني شيئان، جمال الطبيعة والحرية؛ فإذا فقدا، لا يعود لي وطن”.

نظام طاغ

هذا التشوّه تتضافر أسباب كثيرة في خلقه، كتمزّق الشعوب واصطفافها مذهبيا وطائفيا، ورسوخ تقاليد وعادات تحبس أصحابها في الماضي الذي تخلّص منه الغرب يوم أراد الخروج من ليالي العصور المظلمة، “في كل هذا المدى، الشاسع، الهادئ، لا توجد طوائف ولا مذاهب، لا مدن متنافرة ولا قبائل متناحرة. وفي المدى الموحّد، يتمتع الإنسان بحريته الكاملة داخل الطبيعة”.

لكن الأكثر فتكا وضراوة، ذلك النظام الطاغي في حكمه، المتغلغل في ثنايا المواطن، والمطارِد من لا يتفق مع أفكاره وسياساته إلى خارج حدود الوطن، فترتسم خريطة وجوده تلقائيا، إما مع وإما ضدّ، ولا تترك فسحة صغيرة للمكان الوسط، فيستحيل المرء قاتلا أو مقتولا، راعبا أو مرعوبا. إذ تعمل أجهزة الأمن ببراعة على قتل الحياة في المواطن ليس جسديا إنما روحي، “فقتل الجسد أمرٌ سهل عليه… أمّا قتل الروح فهو الأصعب، وهو الأجدى، وهو الأكثر مسرّة على قلوب الطغاة”.

وإزاء هذا الحكم الشرقي اللامحدّد مكانيا، يصبح الإبداع والفكر لعبة بسيطة أمام عنصر صغير من رجال السلطة. وكل هذا لا أسباب منطقية له سوى عقدة الحاكم الذي غالبا ما يخلق لنفسه أعداء داخليين يتربص بهم حفاظا على حكمه ووجوده حين يشعر أن خطرا داهما يهدّد كيانه، وقد تمثّل هذا الأمر في “هناء” إحدى أيادي الجهاز التي تتبعت خطى البطل- الراوي إلى ما وراء البحار “يكفي أن يسقط حجر واحد منه حتى ينهار البناء. لذلك لا يستقرّ نظر هناء على حال، فهو في دوران دائم وفي بحث لا يكلّ، كأن صاحبته تطارد في لاوعيها على الدوام شبحا، ليس هو إلا مسقط الحجر”.

أمن مهدد

رواية تقوم على ثنائية المكان بين شرق وغرب


وبعد الحديث عن الزمر الأصولية المذهبية والطائفية التي تتهدّد أمن البلاد وتقضي على جماله الفكري والطبيعي، والحديث عن طبيعة الحكم القادم من خلالها وما ستنتجه أخطاؤها، نرى الكاتب يطل على بعض القضايا السياسية والفلسفية الأخرى، خصوصا عين الأميركيين التي ترصد المكان الجديد لوجودها مدنيا وعسكريا، ووجهة بوصلتها هذه المرة الدول الأوروبية، “ويتساءل الناظر إلى الزائرين الأميركيين الكثر إذا ما كانوا في لاوعيهم، يأتون إلى هنا لرؤية ماضيهم، أم مستقبلهم”، بالإضافة إلى فلسفة الموت الذي يجتاح بلادنا قتلا وانتحارا وفقدا، ما يجعل الوجود في حالة عدم اتزان واستقرار، خصوصا أننا نسقط المثال على وجودنا إسقاطا ويصبح البحث عن مثال أعظم أمرا مستحيلا، وهنا نستطيع التأويل بأن من أسباب تخلف عالمنا وتقدم الغرب أن الغربيين ينطلقون من الواقع بحثا عن مثالهم في حين ننطلق نحن من المثال ونعمل على ترويض الواقع بما يجعله في خدمة المثال “فبين حركة الحريّة والفردية المنطلقة بلا قيود، المتوغلة في المغامرة القصوى، والجماعات الحذرة، المكبلة، المكررة لذاتها على مرّ الزمان، يصعب العثور على المثال المنشود. فليس هناك مجتمع بشري متوازن حقا، لأنه ليس هناك اختراق لسرّ الموت، ولا إجابة عنه”.

صوت أحادي

هذه الرؤية-الرؤى، التي يطلقها الكاتب راسما صورة العالم المستقبلي، منطلقا من وعيه القائم إلى وعي ممكن فيه من الأمل بالحرية والتغيير الكثير، نرى هذه الرؤى قد أتخمت النص من خلال العرض أكثر من إطلاقها عبر التقنيات الروائية التي اختزلها الكاتب كلها في شخصية بطله الراوي، وكأن المغلوب يحاكي لغة الغالب كما يقول ابن خلدون، فما قدّمه الكاتب من صورة فيها احتكار الأقوياء للصغار، وقع فيها فنيا إذ غيّب العناصر الروائية وإن حاول أن يعطي مجالا لبعض الشخصيات أن تشاركه السرد والتبئير لكن هذا لم يجعله ديمقراطيا نوعا ما، إذ لم نجد سوى صوته السردي والرؤيوي، وما من شخصية فاعلة سوى شخصيته، أما الشخصيات الأخرى فلم تكن فاعلة ولم يكن لها ضوء إلا بوجوده إذ يمكن نسيانها في حال غاب عنها الراوي-البطل.

ولم يكتف الكاتب بذلك، بل نراه يقصي المتلقي من طريق التحليل والتأويل فنراه يحلل بدلا منه حارما إياه من لذة اكتشاف المسكوت عنه وكأنه لا يعترف بقدرة القارئ على ذلك. وأكثر ما ظهر ذلك في استعراض قدراته الفلسفية والاجتماعية على تحليل ظاهرة الانتحار وما شابهها، وبذلك يجعل المتلقي سلبيا لا يشاركه الكتابة المتعارف عليها في علاقة النص بالقارئ.

أما الزمن فليس من مؤشر زمني يمكن الوقوف عنده، وهذا ما جعل منه عنصرا مكمّلا للمكان اللامحدود، وقد وظفه الكاتب في إطلاق رؤيته، فمن ناحية الخطاب والزمن القصّي يستغرق الزمن بضعة أيام، لكن الكاتب غالبا ما كان ينتقص من الحاضر والراهن كاسرا ترتيب السرد ليعود إلى الخلف مرة مسترجعا أحداثا ومستعرضا شخصيات كان لها دور في تعقيد الأمور الحالية، وكذلك فعل حين كان يستبق الأمور متوقعا صورة مأساوية لعالم يتخبط في أوحال المذاهب والطوائف والظلم.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية

علي نسر