الإرهاب ينمو، لماذا
الاثنين, 05-مايو-2014
سعيد ناشيد -


من الواضح أنّ التّقرير الأخير الذي أصدرته وزارة الخَارجية الأميركية حول ظاهرة الإرهاب العالمي يحمل في جوفه رسائل إيجابية، كما يحمل في نفس الأثناء أرقاماً مخيفة: الرّسائل الإيجابية تهمّ الدّول العربيّة المنخرطة في جهود مكافحة ما سمي بالإرهاب، من حيث الإشادة الصريحة بدورها وجهودها، فيما يبدو نوعاً من تجديد الثقة فيها باعتبارها شريكاً أساسياً في الحرب على الإرهاب العالمي، بصرف النّظر عن مواقف واشنطن من سياسات تلك الدّول. ولهذا السّبب ليس مستغرباً أن ترحب بهذا التّقرير معظم الدّول العربيّة المعنية بجهود مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مصر وتونس والمغرب على سبيل المثال.

غير أنّ الأرقام المخيفة التي يحملها التّقرير المذكور تؤكد في المقابل أنّ الهجمات الإرهابية لم تشهد أيّ تراجع أو انحسار يُذكر، بل شهدت الاعتداءات الإرهابية خلال العام الماضي نسبة نموّ تقدر بـ40 بالمئة، وهي نسبة نمو كبيرة ومثيرة.

ومن دون شكّ فقد ساهمت الأزمة السورية، والأزمة الليبية كذلك، فضلاً عن أسلوب التعاطي الدّولي مع الأزمتين، في ارتفاع نسبة الاعتداءات الإرهابية، لكن المحصلة في الأخير أنّ الظاهرة الإرهابية، وخلاف جل التوقّعات، ظلّت في ازدياد مطرد، وليس هناك من مؤشر يوحي بأنّ المآل قد يتغيّر خلال الزّمن المنظور. فهل أصبح الإرهاب العالميّ مرض العصر الذي علينا فقط أن نتعايش معه؟

في واقع الحال، يكاد الإرهاب العالمي يُشبه الوحش الأسطوري الذي يُقتل فتنبع من جثته وحوش أشدّ فتكاً، وفي المقابل، تكاد الحرب على الإرهاب تشبه صخرة سيزيف التي تُحمل إلى الأعلى فتتدحرج ليُعاد حملها من جديد فيما يشبه العود الأبدي. والسّؤال الآن، هل من سبيل للفكاك من هذه الحلقة المفرغة؟ بكل تأكيد، نحتاج إلى تقييم جدي وجذري لما سُمي بالحرب على الإرهاب. قد لا يسع المجال الآن، لذلك سنكتفي بملاحظة عامّة.

بعد أزيد من ثلاثة عشر عاماً عن الإعلان الرسمي عن بدء الحرب على الإرهاب العالمي، عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، يبدو أنّ النصر لا يزال هدفاً بعيد المنال، بل يكاد يبدو أحيانا كأنه ضرب من المحال.

وفعلاً غاب الإرهاب العالمي خلال العام الأول لما سُمي بالرّبيع العربي، بحيث لم تظهر له علامات ولا رموز ولا صور، لكنّه عاد على حين غرّة ليضرب بضراوة وليحتل مناطق لم يكن يحتلها من قبل. وهو فوق ذلك تحوّل من الوجود الافتراضي الذي كان عليه خلال حقبة بن لادن إلى نوع من الوجود الواقعي، بحيث صار يحتلّ مناطق نفوذ واسعة هذه المرّة. فأين الخلل؟

المُلاحظ أنّ الحرب على الإرهاب قد انطلقت منذ بدايتها بنحو مختل؛ إذ ركزت على البُعد العسكري والأمني وعلى مصادر التّمويل أحياناً، لكن كل ذلك لم يكن كافياً لأجل القضاء على الظاهرة. نعم، يحتاج الإرهاب إلى السلاح، ويحتاج إلى المال، لكن كل هذا لا يكفي، فقبل السلاح وقبل المال ليس يخفى أنّ الإرهاب يتغذى أيضاً بل أساساً من وجود خطاب دعوي داعم ومنتج للعنف الديني، خطاب يُنمّي عن قصد أو عن جهالة مشاعر الحقد والتعصب والكراهية، عبْر العديد من المفاهيم الاحترابية من قبيل الجهاد والبراء والنفير والجزية والغنيمة والتدافع والغيرة على الدين والغضب لله إلخ، وأيضا عبْر المواقف العدائية من المرأة ومن الأقليات ومن الحريات الفردية.

لذلك كان الحسّ السّليم يقتضي أن تكون الحرب على الإرهاب أيضاً أو بالأحرى معركة لأجل تحديث الخطاب الديني الرّائج بين الناس، سواء داخل المؤسسات الدينية أو التعليمية أو الإعلامية أو حتى في الشّارع.

وفعلا، منذ الأيام الأولى التي أعقبت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، انطلقَ نقاش في أوساط بعض دوائر البحث الاستراتيجي الأميركي حول مناهج التّدريس في دول العالم الإسلامي، إلاّ أنّ النقاش سرعان ما توقّف بسبب حاجز الخوف على مصير الحريات الدينية للمسلمين. وكان السّبب أيضاً متعلقاً بمآلات الحرب على الإرهاب. وتلك ثغرة كبرى.

اليوم، ربّما حان الوقت للعودة إلى ذلك النقاش الذي توقف دون أن يكتمل. لكن، على أساس القدرة الخلاّقة على الموازنة بين حرية ممارسة الدين، والحاجة إلى تجديد المفاهيم والتصورات الدينية، أي بين الحق الديني في الإيمان والواجب الإنساني في تجديد وتطوير الإيمان.

وفي كل الأحوال، فإنّ تطوير الدين واجب دينيّ أيضاً؟ وإلا، ألسنا ننسب إلى الرّسول الكريم حديثاً يقول: إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مئة سنة من يُجدد لها دينها؟ فكم مَضت من (مئة سنة) عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل، إذا اعتبرناهم مجددين بالفعل؟


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية