قطر.. كلام جميل وفعل قبيح
الاثنين, 24-مارس-2014
د . عبدالله السويجي -



بعد أن قامت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين بسحب سفرائها من قطر، أصدر مجلس الوزراء القطري بياناً جاء فيه أن: "لا علاقة للخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، بل باختلاف في المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون"، كما جاء في البيان أن "دولة قطر كانت وستظل دائماً ملتزمة بقيم الأخوة التي تعني الأشقاء في المجلس، ومن ثم فإنها تحرص كل الحرص على روابط الأخوة بين الشعب القطري والشعوب الخليجية الشقيقة كافة"، وأكد البيان: "التزام قطر الدائم والمستمر بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، وكذلك تنفيذ كافة التزاماتها وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس بشأن الحفاظ وحماية أمن كافة دول المجلس واستقرارها" .
كلام جميل يؤكد ظاهره حرص دولة قطر على أمن واستقرار دول مجلس التعاون، لكن الكلام شيء والفعل شيء آخر . ولو تتبعنا القصة من أولها، فقد أصدرت الدول الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين قراراً بسحب سفرائها من الدوحة، والتزمت الصمت علّ وعسى أن تقوم دولة قطر بمراجعة سياساتها، وبالمحافظة على العلاقات الأخوية مع دول مجلس التعاون، لكن قطر لم تلتزم الصمت، ولم تتأمل في الخطوة غير المسبوقة من الدول الثلاث، فأطلقت العنان لوسائل إعلامها وكتّابها لشن الهجوم تلو الهجوم بلغة تفيد أنها تنوي تصعيد الموقف، مصرّةً على اتباع سياساتها المضرة بأمن دول التعاون، ولعل من أسباب الأزمة أنها أعطت الضوء الأخضر (للمفتي الأكبر) ليتفوه بكلام غير مسؤول، يصب فيه الزيت على النار، ويستهزئ بالدول الأعضاء في مجلس التعاون بشكل عام، والإمارات بشكل خاص، ولم يكتف بهذا بل قام بالتحريض على قلب أنظمة الحكم، لأن هذه الأنظمة "غير إسلامية" على حد زعمه، أي يريد أن يحدث في دول الخليج ما حدث في ليبيا، من حيث ترسيخ قواعد تنظيم القاعدة، ونشر الفوضى بالكلام وبالسلاح، وتدمير ما شيدته دول المجلس من تنمية ورفاهية لشعوبها والقضاء على البناء الذي استغرق سنوات من الجهد والعمل خلال أيام معدودات .
وعودة إلى البيان الذي أصدره مجلس الوزراء القطري، وقراءة واعية وناقدة لما جاء فيه يمكننا استنتاج التناقضات، فحين يقول البيان إن الخلاف بين قطر والدول الثلاث لا يتعلق بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، بل باختلاف في المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون، ندرك أن من صاغ البيان لم يدرك بعد أن دول مجلس التعاون لا تعيش فوق كوكب المريخ، وأنها تتأثر وتؤثر بمجريات الأحداث في محيطها، وبالتالي، فإن الخلاف على (قضايا واقعة خارج دول المجلس) هو خلاف يخص قلب المجلس، ويؤثر في مصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، فحين تتبنى دولة قطر الجماعات المتطرفة، وتغذيتها بالسلاح وتمدها بالمال، وتطلق ألسنة منظريها ليتحدثوا صراحة بما في قلوبهم ورؤوسهم، لتطال الأنظمة، وتطرح بديلاً لهذه الأنظمة ب(النظام الإسلامي)، كون هذه الأنظمة، من وجهة نظر (القرضاوي) ليست إسلامية، فإن الخلاف يكون حول قضايا تتعلق بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، وهل كانت قطر تتخيل وجود (الإخوان المسلمين) و(تنظيم القاعدة) في دول الخليج، لزراعة الصحراء على سبيل المثال؟
أما ما جاء في بقية البيان فيعزز التناقض ويعمقه، فسياسة قطر الخارجية غير الواعية والمرتبكة والمضطربة، والتي لا همّ لها سوى نشر الفوضى في الدول العربية، والتحالف مع أعداء الأمة العربية والإسلامية، لو تُركت على عواهنها لجلبت المصائب لدول المنطقة، التي لم تتأثر حتى الآن بفوضى (الربيع العربي) وحرائقه، وليس أدل على نشرها للفوضى أكثر من دعمها لجهات متناقضة ومتحاربة في ساحة واحدة، الأمر الذي يرسم علامة استفهام كبيرة على النوايا التي جاءت في البيان من (التزام قطر الدائم والمستمر بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي)، فالمجلس قام على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعلى أن يكون نواة لوحدة خليجية أو عربية في المستقبل، ولم يقم على مبدأ التدخل في سياسات الدول العربية إلى درجة التحريض على تقسيمها، ونشر التطرف والتشدد الأعمى بين شعوبها، مستغلة فقر الناس وجهلهم .
كانت دول الخليج تعلم منذ انطلاق ما سُمي ب(الربيع العربي)، أن حماسة قطر في دعم المتطرفين لم تكن بريئة، ونتائجها نراها كارثية الآن في ليبيا، فلتذهب قطر الآن وتعيد الوحدة للأراضي الليبية، وتعيد الهدوء والطمأنينة للشارع الليبي، وتسحب المسلحين الهائجين من مصافي النفط، وتدعم الديمقراطية التي تنادي بها ولا تمارسها . ولتقم الآن بإعادة أربعة ملايين لاجئ سوري إلى ديارهم بعد أن نقلت عشرات الآلاف من المسلحين في الطائرات من ليبيا وغيرها عبر تركيا لقلب نظام الحكم في سوريا، بغض النظر عن طبيعة هذا النظام وممارساته .
إن دعم التطرف هو دعم للجهل في أفظع صوره، ويشكل دعوة لنشر التخلف في المجتمعات عن طريق تقسيمها إلى طوائف ومذاهب وديانات متصارعة، ودول الخليج في معظمها لم تألف هذه اللغة الطائفية أو التفرقة الدينية، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تحولت إلى نموذج يحتذى به للتعايش السلمي بين عشرات الجنسيات التي تمارس عباداتها بحرية، وتمارس عاداتها وتقاليدها في فضاء من التسامح، وحققت نجاحات هائلة في التنمية وتحقيق دولة الرفاه للمواطنين والمقيمين، حتى حازت لقب أسعد الشعوب العربية، ومن بين أسعد الشعوب العالمية، يعيش الناس فيها بأمان واستقرار، فلماذا تريد قطر تصدير الفكر المتطرف إلى مدنها وشوارعها ومؤسساتها وقلب نظام حكمها؟ هل هو تطبيق لمبدأ التعاون والتآزر الذي بني عليه مجلس التعاون؟
نحن لا نريد أن نتحدث أكثر عما فعلته قطر في دول عدّة ولا سيما الدول التي يقال إنها تعرضت ل(الربيع العربي)، ولا نريد أن نتحدث عما حاولت القيام به في دول عربية لتتعرض ما تتعرض له دول مثل ليبيا وسوريا، وخاصة دول تقع في المغرب العربي، ولا نريد أن نربط هذه السياسة بأجندة العدو الأول للأمة العربية وهو الكيان الصهيوني، ولا نريد أن نتحدث عن أسباب التغييرات الكبرى التي طرأت على النظام القطري، ولكننا نريد أن نذكّر الأخوة في قطر بتحديات الجغرافيا، وبالتحالفات الهشة التي تقيمها مع دول تتخلى بسهولة عن حلفائها، ولها فيما حدث في مصر خير مثال .
إن الأسباب التي لا تتعلق بدول مجلس التعاون، والتي أدت إلى سحب السفراء، هي في الواقع تؤثر بشكل مباشر في أمن واستقرار شعوب المنطقة، وما على قطر سوى التراجع والتأمل، لا أن تخطو خطوة في الفراغ، وأن تعود إلى كنف السرب الخليجي لا أن تغرد خارجه حتى لا تضطر الدول الثلاث إلى اتخاذ قرارات أخرى مؤلمة، حفاظاً على مصالح شعوبها واستقرارها وسلامتها، وحمايتها من الفوضى، ولتحصين مسيرة التنمية التي قطعت فيها أشواطاً نوعية وكبيرة .
نحن على ثقة من أن الشعب القطري، الذي لديه امتدادات أسرية وعائلية وقبلية يتقاسم المصير المشترك في المبادئ والقيم الخليجية مع دول مجلس التعاون، أعقل من أن يسمح بانتشار الفتنة، فالفتنة نائمة، وملعون من يوقظها . حمى الله دول الخليج العربي من الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن . -


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.