قطر والمتناقضات
الأحد, 23-مارس-2014
محمد خليفة -


العاقل هو الذي يفكر في عاقبة الأشياء قبل وقوعها، أما المغامر فإنه يقع ضحية أفعاله . وفي البيت الخليجي الواحد لا يمكن المسامحة في موقف قطر أو التغاضي عنه، لأنه قد يؤدي إلى العبث والتشرذم، فالمقامرة عمل خطير للغاية عندما تستهدف أمن الأوطان واستقرارها . وأي مقامرة أكبر من أن يجتمع على أرض قطر كل أولئك المختبئين تحت ستار الدين الساعين إلى الفتنة واللابسين ثوب العفة والطهارة والساعين نحو حكم البلدان بحجة إقامة شرع الله؟
هذه سياسة تهدد مختلف الدول العربية والإسلامية ولن يبقى أحد في منأى عن الأيديولوجية المتطرفة لهؤلاء .
إن إصرار قطر على التماهي في نشر مشاريع المتطرفين الذين يعيشون في كوابيس الماضي لا يخدم المصلحة الخليجية الواحدة، ويحاول الإعلام القطري أن يوصد كل الأبواب وأن يهدم كل الجسور وهو يوغل في المغالطات . هذا الإعلام المزيف المزين بالتشكيك الجاحد وبالمناورة تلو المناورة، والأمر معروف على طبيعته ونرجسيته . إن ما يحدث اليوم على القناة الفضائية التابعة لقطر هو استخفاف بالقيم الخليجية والإسلامية لأنه مليء بالانحراف والتضليل وانعدام المصداقية، وكل ذلك كرمى لعيون المتاجرين بالإسلام . وبقدر ما يظل الإسلام قادراً على كشف المتاجرين بشعاراته بقدر ما تظل راية الإسلام خفاقة على يد المؤمنين المدركين لرسالته السمحة ومنهجه الواضح .
إن من الخطأ أن يعتبر العناد مدخلاً إلى البطولة والانتصار، وقد دعت دول الخليج قطر للعودة إلى جادة الحق ونبذ الباطل، لكنها أصرت على سياستها غير مدركة لعواقب هذه السياسة على قطر أولاً وعلى الخليج والأمة العربية ثانياً . فهل زرع الشقاق من قبل هؤلاء المتطرفين هو عمل إيجابي أم أنه يخدم مشاريع الفتنة والتفرقة في جسد الأمة؟ .
من دون شك إن الرجوع عن الخطأ فضيلة، وإذا كان للحكومة القطرية رؤية استراتيجية شاملة لحاضر ومستقبل المنطقة، فعليها أن تعود إلى الصف الخليجي الواحد وأن تنزل عند مشيئة الحق لا أن تمشي غير آبهة بشيء . فهذه السياسة لا تخدم المشروع الخليجي الواحد . فقد كان مجلس التعاون يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق التكامل والترابط بين دول الخليج العربية الست، وكان هذا المجلس نموذجاً يحتذى به في السياقات والاصطفافات الإقليمية الممنهجة القائمة على التفاهم والتعاون الكامل . وكان هناك خطط لتوسيعه وضم دول عربية أخرى إليه، لكن ما بدا من قطر هدم كل ما تم البناء عليه، مع العلم أن المستقبل لن يكون إلا للتكتلات الكبيرة وبما يساهم في دفع مسيرة التنمية قدماً إلى الأمام .
إن المصير الواحد لدول مجلس التعاون يجب أن يكون دافعاً كي تستمر في التشبيك والتعاون، فالشعوب الخليجية هي أشبه بعائلة كبيرة موزعة هنا وهناك، ومطلوب من الشقيق أن ينتصر لشقيقه لا أن يكون ضده ويعمل على ما يضره، ولعل ما يدعو إلى الأسى هو أن نرى شعوباً كثيرة في أوروبا مختلفة اللسان والدين، ومع ذلك كلها منضوية تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وتوجد خلافات كثيرة بين هذه الدول حول بعض السياسات الأمنية والاقتصادية وغيرها، لكن أياً منها لا تنفرد بسياسة مختلفة عن المجموع، فقد تكون دولة ما غير موافقة على سياسة معينة، لكنها تتحفظ وتلتزم الصمت مراعاة لكونها عضواً في هذا الاتحاد الذي قدم مزايا كثيرة لقارة أوروبا التي كانت فقيرة في الخمسينات من القرن الماضي وتنهش جسمها النزعات الانفصالية والعنصرية، لكن الاتحاد كان بمثابة رافعة لمختلف شعوب القارة لتعيش برفاهية ولتتخلص من أزماتها ومشاكلها، واليوم يشكل الاتحاد الأوروبي قطباً سياسياً واقتصادياً لا يقل أهمية عن الولايات المتحدة، لا بل الاقتصاد الأوروبي متماسك أكثر بكثير من الاقتصاد الأمريكي .
إن لغة الحب والسلام هي التي ستنتصر بعيداً عن القفز فوق الواقع، والعودة إلى سياسة خليجية واحدة هو أمر تفرضه ضرورات الارتباط الوثيق وتدعيم الأركان بما يخدم مصالح الشعوب ويوفر القدرة على تشكيل رؤية شاملة تلحظ المصالح المشتركة في عالم يسعى في كل أنحائه نحو تشكيل الفضاءات الكبيرة .
فقدر الشعوب الخليجية أن تعيش مع بعضها وأن تنبذ الأحقاد والتنافر من بينها، وأن تسعى نحو الحق والخير وتحقيق آمالها وتطلعاتها في مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً . -


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.