عودة الحرب الباردة
الخميس, 20-مارس-2014
أمجد عرار -


قبل تفكيك الاتحاد السوفييتي بسنوات كتب مفكّر عربي أن هزيمة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، ستعني ظهور عالم جديد قائم على البربرية والحروب . ما نشهده منذ ربع قرن يؤكد ذلك التوقّع . ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتي قبل ربع قرن، دأب كتّاب ومحللون على استخدام مصطلح "النظام الأحادي القطبية مؤقتاً" . كان ذلك تحليلاً أكبر من كونه مصطلحاً عابراً، إذ إن التاريخ يقول لنا إن العالم لا يمكن أن يقف على ساق واحدة .
في هذه الأيام يبدأ العالم الوقوف على ساقين، وبشكل أشد وضوحاً، بعدما بدأ المشهد الجديد يتبلور من خلال الأزمة السورية، حيث سلّت موسكو سيف "الفيتو" ثلاث مرات في فترة وجيزة .
أوكرانيا فتحت جبهة جديدة للحرب الباردة . وبدا أنه ليس هناك رد على تلويح الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالعقوبات، ثم فرضها على مسؤولين روس على خلفية أزمة أوكرانيا، أبلغ من بيان البرلمان الروسي "الدوما" الذي أصدر بياناً غير مسبوق حتى أيام الاتحاد السوفييتي، يسخر فيه من الغرب وعقوباته . المجلس الذي صادق على استعادة شبه جزيرة القرم ومدينة ستيفانسبول للوطن الأم، تبنى بالإجماع بياناً ساخراً يطالب واشنطن والاتحاد الأوروبي بأن تمتد العقوبات لتشمل مئات آخرين من المسؤولين الروس . واقترح على الرئيس أوباما والموظفين الأوروبيين أن تشمل عقوباتهم جميع أعضاء الدوما الذين صوتوا على هذا البيان .
التطورات المتلاحقة تصاعدياً على جبهة أوكرانيا تشي بالكثير من المعطيات الجديدة، ويدرك الغربيون ذلك جيداً حتى وهم يتّخذون قرار فرض العقوبات، إذ إنهم يدركون أن موسكو عندما أطلقت عملية استعادة القرم متوّجة باستفتاء يطابق المعايير الدولية، تعرف وقدّرت مسبقاً مدى وحجم وأثر ردود الفعل الغربية .
وإذا كان أعضاء الدوما فضّلوا أسلوب السخرية إزاء موقف "لا حول ولا قوة" الذي صدر عن الغرب، فإن الرئيس فلاديمير بوتين الذي توّج الاستفتاء بإصدار مرسوم يعترف فيه بشبه جزيرة القرم الأوكرانية دولة مستقلة، قبل أن يوقّع معاهدة الانضمام، أظهر جدية أكبر في التعاطي مع القضية، وألقى خطاباً يعيد سامعيه بالفعل إلى أجواء الحرب الباردة، وخطا خطوته الثانية على هذا الطريق بعد الحسم العسكري السريع والمباغت الذي أقدمت عليه روسيا قبل بضع سنوات مع جورجيا، الجمهورية السوفييتية السابقة وحليفة الغرب و"إسرائيل" .
قادة الغرب كرروا كثيراً القول إن بوتين يعيد رسم حدود أوروبا، وعزفوا كالعادة على وتر القانون الدولي، لكن الرئيس الروسي فرّغ كلامهم من محتواه وفنّده باستشهادات من نتائج سياستهم في غير مكان في العالم . بوتين قال لهم إنه يحمد الله لأنهم تذكّروا أن هناك قانوناً دولياً ما زال قائماً، مذكّراً إياهم بتدمير العراق وليبيا واستباق "الربيع العربي" ب "ربيع أوكراني" عام ،2004 ثم دعمهم انقلاباً على نظام الرئيس يانوكوفيتش عبر مجموعات مسلّحة ومدرّبة جيّداً، ثم التنكّر لاتفاق وقّعوه هم أنفسهم لحل الأزمة، قبل أن يجف حبره، ليلوّح للغربيين بأنهم "تجاوزوا الخط الأحمر" .
لقد كان العرب أكثر الخاسرين من انهيار العالم ثنائي القطبية، بدءاً بتكثيف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وانتهاء بتفرّد أمريكا بمفاتيح العالم وتصعيد دعمها ل "إسرائيل" وعدائها للحقوق الفلسطينية والعربية . ولعل التغيّر الناشئ دولياً ينعكس إيجاباً، إذا أحسن العرب التعامل معه، من دون المراهقة إياها . -


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.