الدين السياسي
الثلاثاء, 11-مارس-2014
يعقوب أحمد الشراح -


تزخر الأدبيات بالدراسات المختلفة عن المؤثرات التي تغير من الأفكار والاتجاهات إما سلباً أو إيجاباً. فالأفكار التي تتغير لدى الناس بهدف الوصول إلى الأفضل لحياتهم وترقية معيشتهم إنما هي أفكار تأتي من عقول قادرة على العطاء والإبداع لأنها تستهوي الاكتشاف والبحث من أجل تحقيق السعادة والخير لها وللناس. والعكس أيضاً صحيح عندما تتحول العقول إلى أدوات مدمرة تسعى للشر، والقتل ونشر الخراب....
هذه المقدمة بداية للتأكيد على أننا نعيش زمناً لم يعد غريباً أن نجد فيه كثيرين يستهويهم الولوج في الأفكار المتطرفة والشاذة، وأحياناً التعيسة لحياتهم ولحياة غيرهم مستخدمين كل ما يتاح لهم من أدوات تعينهم على تحقيق مآربهم، ومن هذه الوسائل الدين. هؤلاء، مع الأسف، يخلطون بين رسالة الدين وسماحته وتركيزه على الخير والبناء، وبين استغلال الدين لأهداف خاصة تعكس سلوكيات مخالفة لأوامر الدين يطول الحديث فيها..
فعندما ننظر في علاقة الدين بالسياسة والتي ظلت وما زالت تؤثر في استقرار الناس وتقدمهم نجد أننا أمام معسكرين متضادين يحملان أفكار وآراء متناقضة، فكل طرف يكره الآخر، ويراه مرضاً أو وباء يريد أن يفتك بالناس والمجتمع. فالإسلاميون، ذلك الصنف المتطرف المتمثل في الإسلام السياسي يرون ضرورة ربط الدين بالسياسية لأن لهم أدلة شرعية وتاريخية في نظرهم لا ينبغي التخلي عنها، بينما العلمانيون يرون ضرورة الفصل بين الدين والسياسة من أجل تجنب الضرر، ومنع استغلال الدين من البعض الذي يدعي بالدين ويريد أن يسود ذلك.. كلا طرفي النزاع الفكري الإسلامي والعلماني يكيل التهم، ويقيد الآراء في صواب ما يعتقد فيه. فالاتهامات من طرف للآخر لا تتوقف لدرجة أن الحروب المذهبية والطائفية في عالمنا الإسلامي والتي وصلت مراحل لاتقارن بأي فترة تاريخية رغم اختلاف ظروف الناس وتباين حياتهم بين الماضي والحاضر.. إن الإسلاميين يتهمون العلمانيين بالإلحاد الذي ينكر وجود الله سبحانه وفق المذهب المادي القديم والحديث، رغم أن العلمانية عامة لا تعني بالضرورة الإلحاد أو الكفر.
المهم أن الاختلاف العقائدي أو الفكري بين التكتلات الإسلامية المبنية على أساس العلاقة بين السياسة والدين وغيرها ومع المسلمين العلمانيين هو اختلاف اشتد وانتقل اليوم إلى مرحلة النزاع والقتال، وخلق أزمات وصلت آثارها وتداعياتها على غير المسلمين في أرجاء الأرض لدرجة أن هؤلاء أصبحوا اليوم أكثر حذراً وتحوطاً من شرور الاختلافات الدائرة في العالم الإسلامي وانعكاساتها على حياتهم واستقرار بلدانهم... فلقد عانى هؤلاء من شرور النزاعات الفكرية والدينية والتي أخذت صور مختلفة من الإرهاب الفكري والسياسي، واستغلال الشباب في مفاهيم مغلوطة كالجهاد وقتل النفس عن طريق التفجيرات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وغيرها...
أما في الداخل العربي والإسلامي فإن الخلافات الفكرية الدينية جعلت الإسلام السياسي أداة للتناحر والتطرف والصراع الذي قسم المجتمع إلى مذاهب وطوائف ركزت على مصالحها، وتركت هموم الأمة ومستقبلها لمهب الريح بينما العالم يتنافس على الريادة والاستقرار والسلام.. إن عالمنا الإسلامي يعيش زمن الاستبداد والصراع والنزاعات وعدم المساواة بسبب سوء التعاطي مع السياسة والتي أصبحت عمل من لاعمل له، وترفاً فكرياً، وجهالة ما زال الكثيرون يمارسونها على أنها الطريقة الفعّالة للوصول إلى الشهرة وسلطة الحكم والاستغلال والتكسب...


*نقلاً عن "الراي" الكويتية