لقد غضب الحليم
الخميس, 06-مارس-2014
الميثاق إنفو -

استنفدت قطر فرصها كاملة، ولم يعد ثمة مجال للتغاضي عن العبث والتآمر والألاعيب التي لا تليق بالكبار، فلم يرع حُكّامها للأخوة حقا، ولم يحفظوا عهودا ومواثيق تلزمهم بها أخلاق الرجولة ومقتضياتها، قبل أن يلزمهم بها القانون الدولي، والأعراف التي تنظم العلاقات بين الدول.

لقد غضب الحليم يا حُكّام قطر، فاحذروه، وافهموا رسالته، وما سحب سفراء دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين إلا جرس إنذار.. ليس هذا إلا أول الغيث، ثم تتوالى خطوات وإجراءات طالبنا بها كثيرا، وتأخرت في الحقيقة كثيرا، لكننا كنا نراهن على صحوة ضمير لديكم، أو عودة إلى شيم عربية أصيلة افترضنا أنها باقية فيكم.

لقد غضب الحليم يا حُكّام قطر، فعلى أرض مملكة البحرين سالت دماء الشهداء عزيزة، وهي تخوض أشرف معركة للدفاع عن حياة مواطنينا وأمنهم ضد الفوضى والتخريب وهدم الأوطان.

لقد خط الشهيد الملازم أول طارق الشحي بدمائه ملحمة للوطنية والأخوة الحقهة باستشهاده على أرض مملكة البحرين الحبيبة، وهي منزلة نتمناها ونُكبرها. لكننا لن نغفر لكم مشاركتكم في قتله… نعم… هذه الدماء الطاهرة التي تسيل إنما تسفكها أيديكم، عامدة متعمدة.

الرصاصات التي تنطلق تغذيها أموالكم، والحقد الذي يملأ صدور الإرهابيين والقتلة صنعته أبواقكم وقنواتكم الفضائية التي تحول البشر إلى وحوش لا تنتهي شهيتها إلى الجثث والأشلاء.

التنظيمات الإرهابية التي انتشرت كالسرطان في كل الدول العربية والإسلامية تجد فيكم ملجأ وملاذا وظهيرا يعاونها على خططها الشيطانية، ويزين لها المضي فيها، تحرضون وتمولون وتزينون لشياطين الإرهاب أفعالهم وتجندون لهم الأغرار والمخدوعين والمنسحقين وذوي العاهات النفسية ليقتلوا أبناءنا الساهرين على أمننا.

لقد أشرت في مقالات سابقة لي إلى أن وقت العقاب آت، وكانت تبدو في الأفق بوادره، ولكن حُكّام قطر عموا عنه أو تعاموا. وها أنا ذا أكرر، إن سحب السفراء ليس أكثر من خطوة أولى، وأن خطوات متدرجة قد تمت دراستها، لاتخاذ سلسلة من الإجراءات السياسية والاقتصادية التي سوف تذكر حُكّام قطر بوزنهم الحقيقي، وأن تكاليف العبث الذي مارسوه طويلا فادحة.

حين كانت قطر تتحرك في ما مضى، فإنها كانت تفعل ذلك مستندة إلى الثقل الخليجي، وإلى الصورة العالمية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بوصفه كتلة مؤثرة بتآزرها وتناسق مواقفها في السياسة الإقليمية والعالمية، تُكسب المنتمين إليها هيبة وقوة واحتراما، وترسخ صورتهم كدول معتدلة سارت خطوات مهمة على طريق التقدم والتنمية.

وبدلا من أن تفهم قطر ذلك، وتعمل على تدعيم أركان مجلس التعاون، فإنها تحولت إلى “سوسة” تحاول أن تنخر في أصل الشجرة، بإثارتها للفتن والقلاقل والمشكلات، وتحالفاتها المريبة مع دول وقوى تتعارض مشروعاتها وتوجهاتها وأهدافها مع دول المجلس التي سعت إلى إرساء نموذج للنجاح والاستقرار للرخاء.

السؤال هنا هو: كيف يظل عضوا في مجلس التعاون من يعمل بكل ما وسعه من جهد على تحطيمه وتفجيره؟ كيف يؤتمن من يكرس سياسته الخارجية وأمواله الطائلة وإعلامه المتعدد اللغات لصالح أطراف تهدد صراحة أمن دول الخليج العربية واستقرارها وثرواتها وتجاربها التنموية الناجحة؟

إن طرد قطر من مجلس التعاون هو إجراء طبيعي تماما، بل ضروري، للاحتفاظ بتماسك البيت الخليجي وتوطيد أركانه، وتنظيفه ممن يحاولون شق الصفوف فيه.

وقد نُشرت بالفعل قائمة بالعقوبات المُنتظرة مبدئيا، ومنها إغلاق الحدود البرية السعودية مع قطر، وحرمانها من استخدام المجال الجوي لدولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وتجميد اتفاقات تجارية، وإلغاء مشروعات لشركات قطرية في الدول الثلاث. وستطول هذه القائمة أكثر مما يتخيل حُكّام قطر، وستنضم إليها جهود دول عربية وإقليمية أخرى تسعى إلى إيقاف العبث القطري، وتنتظر الظروف الملائمة لذلك.

ليس مستبعدا أن يواصل مرتزقة “جوقة الخراب”، وعلى رأسهم القرضاوي وعزمي بشارة، عمليات غسيل المخ التي يسيطرون بها على القرار القطري، وأن يدفعوا بالقيادة القطرية إلى تصلب أعمى، وفي هذه الحالة سيدفع حُكّام قطر ثمنا باهظا جدا لها. وإذا كانت نصائح القرضاوي وعزمي بشارة قد أدت بقطر إلى مأزقها الحالي، فإن مواصلة الاستماع إليهما قد تقذف بقطر في هوة لا قرار لها.

وربما يخيل لحُكّام قطر، الذين أدمنوا المناورات الصغيرة، أن يستقووا بقوة إقليمية لمناوأة دول الخليج العربية، وربما يجدون من سيحاول استدراجهم إلى هذا الفخ، وفي هذه الحالة لن يكون أمام قطر إلا لعب دور التابع الذليل، الذي سيؤدي دورا محددا ثم يُلقى به في سلة المهملات، بدلا من موقع الشقيق والند الذي يحتفظ به كل الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

إن ردود الفعل الأولية من مجلس الوزراء القطري، حتى وقت كتابة هذا المقال، لا تبشر بخير، فهي لا تخرج عن نطاق المخادعة والمناورة وإنكار المشكلة كما اعتادت منذ وقت طويل. وما لم تفهم قطر أن وقت هذه المناورات قد انتهى وأنه لم يعد ينفعها إلا الاعتذار وإبداء الندم، وتفكيك منظومة التخريب التي أنشأتها ومولتها ولا تزال، وطرد المخربين الذين يتخذون من الدوحة منطلقا للهجوم على دول الخليج، فإن الخطوات المقبلة سوف تكون أكثر..

*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.